العدد الأول قراءة في كتاب

مفهوم الهوية العلمية وجذورها / قراءة في كتاب

26/10/2020

د.سيف السويدي و ا. طارق برغاني

تعُرِّف الماركة الشخصية بأنها: «هُويَّة شخصية تهدف إلى إحداث استجابة عاطفية ذات مغزًى لدى الجمهور، حول صفات وقيم الشخص صاحب الماركة، والتعريف به أكثر» . 

وهناك مصطلحات ومفاهيم عدة تقترب كثيرا من معاني الماركة أحيانا وتترادف مع تلك المعاني أحيانا أخرى، فنجد: علامة، هوية، اسم، شعار، وذلك راجع لاختلاف الترجمات والاقتباسات والتأويلات، نظرا لكون المفهوم غربي الأصل، وكل ما يحيط به من أفكار ونظريات ودراسات جاءت من مفكرين وكتاب غربيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالسياق التاريخي منذ نشأة المفهوم وتطوره كان ولازال سياقا غربيا بالأساس، منه جاء اختيار مصطلح الماركة وهو المقابل الأقرب والأكثر تعبيرا عن كلمة «brand» الإنجليزية، أو «marque» الفرنسية.

 

نبذة تاريخية

إن أصل فكرة الماركة يعود إلى عصر القرون الوسطى بأوروبا بسبب حاجة ملاك قطعان الأغنام إلى تمييز مواشيهم بوسوم خاصة تحمل علامات الملكية والانتماء إلى شخص واحد عن طريق الحرق بالنار، ثم انتقلت بعد اكتشاف أمريكا عند رعاة البقر، وهي علامة موحدة وفريدة الغاية منها تفادي اختلاط المواشي بأخرى وسهولة التعرف عليها في حال ضياعها، ثم امتدت هذه الفكرة إلى المجال التجاري.   

حاليا صار استخدام العلامة (الماركة) مُرتبطا بمجال التسويق والتصميم الجرافيكي لإعطاء تصور شامل وإيجابي حول منتوج خاص بشركة أو مؤسسة يحيل من خلال الماركة التي يحملها إلى هُوية هذه الشركة أو المؤسسة، إلى قيمها، أسلوب تعبيرها، نطاقها، جودة منتوجاتها وخدماتها... نتحدث في نهاية الأمر عن شعارها الذي يترجم هُويَّتها البصرية ويمنحها مكانة قوية وصورة متميزة . 

عرفت الهُويَّة البصرية سنة 1950، مع المصمم Raymond Loewy تطورا فصارت تخصصا قائما بذاته، ثم شكل التأثير المزدوج لكل من العولمة وتطور التقنيات الحديثة في نهاية القرن العشرين، نقلة نوعية في مجال الماركة بحيث صارت تتطلب استخداما أكثر دقة وحذرا للماركة، وعليه فقد صار توظيف الماركة أقوى انتشارا واحتل مكانة جوهرية في قلب كل المواضيع اليومية لأننا صرنا نعيش في مجتمع استهلاكي تتحكم فيه السوق .

أما فيما يخص مفهوم بناء الماركة الشخصية «Personal Branding»، فإنه لم يعرف دراسة علمية مركزة وجادة إلا في سنة 1990، ورغم أن هذا المفهوم سبق تطبيقه في مجالات متعددة منذ وقت طويل إلا أن البحوث الأكاديمية التي ركزت عليه بشكل خاص لم تتفق نتائجها على أي شيء مشترك .   

قبيل أواخر التسعينات أثار Tom Peters النقاش حول مفهوم «الماركة الشخصية»، بإصدار مقاله «الماركة دعتك The Brand Called You»، حظي المفهوم بشريحة واسعة من المؤيدين كما كان له أيضا فئة عريضة من المنتقدين، فهؤلاء من اعتقد إن مفهوم الماركة الشخصية يحمل دلالات سلبية من قبيل التبجح والافتخار، فيما رأى أولئك أن المفهوم يمكن أن يعبر عن الترويج أو الدعاية الذاتية . 

ومع مطلع القرن الحادي والعشرين بدأ عدد من الأشخاص يفكرون في كونهم ماركة قائمة بذاتها في مجال تخصصهم وفي وظائفهم، والأمر ينطبق عليك أنت أيها الباحث أيضا فعندما تكون ماركتك واضحة وقوية فستزيد إمكانياتك المادية والمعنوية لأن الآخرين سوف يدركون بوضوح القيمة التي تضيفها.

بشكل عام يمكننا القول: إن مفهوم وفكرة بناء الماركة الشخصية رغم أصالة جذوره التاريخية، ذات المرجعية الغربية، والتطورات التي عرفها عبر الأزمنة، فإنه لا زال مفهوما حديثا في العالم العربي لم ينل حظه بعد بالبحث والدراسة الكافية الوافية، ولكنه على الرغم من كل ذلك قد بدأ يعرف انتشارا متزايدا وإقبالا كبيرا من أجل إدراك مبادئه وفهم أسسه، واستيعاب أهميته وتطبيقه، والاستفادة من قيمته وتطبيق ذلك في حياة الأفراد.

إنّ فكرة صناعة الماركة الشخصية ما تزال جديدة في سوق العمل العربي، حيث هناك إقبال للمشاركة في الورش والبرامج التدريبية التي تتحدث عن الماركة الشخصية، نظرًا للحاجة الماسة التي يحتاجها الأفراد ولاسيما الباحثون للإسهام في تطوير مختلف مهاراتهم ومواهبهم في المستقبل، من أجل صناعة هوية علمية يتميزون بها، وتحفظ حقوقهم الفكرية ومقتضياتها.

 

 

العدد الأول طارق برغاني ، سيف السويدي ، كتاب ، صناعة الهوية العلمية ، الماركة الشخصية ، brand

مواضيع ذات صلة