10 مقالات

لغويات قرآنية (4) / مقالات

08/05/2021

د.بسام مصباح الأغبر

 من أساليب تثبيت الله لرسله في القرآن الكريم

تتعدد أساليب الحماية الربانية للأنبياء عليهم السلام، ومن تلك الأساليب، أسلوب الحماية النفسية، والتثبيت القلبي لأولئك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن أمثلة ذلك، قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}.

إن تلك الآيات المباركات تنقلنا إلى فصل من فصول الصراع بين الحق والباطل، بين الخوف البشري والتأييد الإلهي، بين القوة المادية البشرية الخادعة، وبين القوة الربانية الصادقة.

لقد أراد الله، جلَّ في علاه، أن يرفع الخوف من قلب موسى، عليه السلام، وتثبيت قلبه، فاستعمل أكثر من أسلوب لغوي؛ ليُظهر ذلك التأييد، ويظهر ذلك عن طريق:

أولاً- تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، ولو قال:

 "لا تخف إنك الأعلى" أو"فأنت الأعلى"

لم يكن له من التقرير، والإثبات لنفي الخوف ما لقوله:

 {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} .

ثانياً- المظاهر الإعجازية في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، وفيها خمس فوائد، هي:

(1)  استعمل أداة التوكيد "إنّ" المشددة، وفيها من الإثبات ما ليس في أدوات توكيدية أخرى.

(2)  كرر الضمير في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ} ، ولو اقتصر على أحد الضميرين لما كان بهذه المكانة في التقرير لغلبة موسى، والإثبات لقهره.

(3) جاءت كلمة {الْأَعْلَى}  معرفة بلام التعريف، ولم يقل: "أعلى" ولا "عال"؛ لأنه لو قال ذلك لكان قد نكره، وكان صالحا لكل واحد من جنسه.

(4) جاءت {الْأَعْلَى} على وزن "أفعل"، وهو اسم تفضيل؛ أي أنك المفضل، ولم يقل (العالي)، وبينهما اختلاف دلالي كبير.

(5) تدل كلمة {الْأَعْلَى}  على العلو، أي أنَّ غلبتك، يا موسى، ستكون من علو لا يقدر أن يصله البشر.

ثالثاً- إعادة استئناف الكلام، وهو قوله تعالى: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، ولم يقل: "لأنك أنت الأعلى"

وتوضيح ذلك، نقول:

لم يجعل علة انتفاء الخوف عنه كونه عالياً فقط، بل نهاه عن الخوف الذي ظهر له في البداية، {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً } بقوله: {لَا تَخَفْ}، ثم استأنف الكلام، فقال: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}،

 فكان ذلك أبلغ في إيقان موسى، عليه السلام، بالتثبيت الإلهي، والغلبة والاستعلاء، وأثبت لذلك في نفسه.

رابعاً- يمكن الاستفادة من هذه الآية في حياتنا العملية، بما يأتي:

1. أن تكون قلوبنا قوية، وإن كانت الظروف المادية الزائفة تظهر قوتها علينا.

2. اليقين الإلهي يحتاج إلى طريق تمهد له، ولا يكون ذلك آني، وهنا نتذكر قول الحبيب المصطفى: (تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّة.)

أخيراً، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك

والله تعالى أعلى وأعلم.

10 التفسير ، الحماية الالهية ، معاني القران الكريم

مواضيع ذات صلة