10 مقالات

أمي عيدك كل يوم / مقالات

08/05/2021

مها شرف

أيام فقط وتجد الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي تمتلئ بصور الأم والعبارات التي تعبر عن مكانتها ودورها، وكأن هذه الأم لا يتم تذكرها إلا في هذا اليوم، يوم 21 مارس من كل سنة، الذي اقترحه الصحفي المصري الراحل (علي أمين) مؤسس جريدة أخبار اليوم، أسوة بالدول التي راحت تخصص يوما للأم وتحتفل بها، الأم الكائن الأسطوري، الذي تقدسه جميع الديانات وهو أمر لا يمكن إنكاره عبر الأزمان، فلا يمكن لأدب أو علم أو رمز أو ديانة أن تخلو من هذا الاسم، لأنها تملك قوة من أقوى قوانين الطبيعة ألا وهو قانون الأمومة، فلو رجعنا إلى الحضارات القديمة لوجدنا الكثير منها يبجل هذا المخلوق فسموها آلهة الحب وآلهة الشمس، وآلهة الخصب... وغير ذلك الكثير.

  ولقدسية مكانتها، سعت الدول في مختلف أنحاء العالم للاحتفاء بها عبر أحد أيام شهر مارس أو أبريل أو مايو، فمنذ الأزل كانت اليونان تحتفل بهذا اليوم ويسمى عندها عيد كوبيلي، وفي الحضارة الرومانية يسمى عيد هيريا، وفي العصر الحديث يرجع لاقتراح المؤلفة جوليا وورد هاوي للاحتفال بعيد الأم وذلك عام 1872 في أمريكيا، ولكن في عام 1912، أنشأت "أنا جارفيس" الجمعية الدولية ليوم الأم. وأكدت على أن مصطلح "mother's" يجب أن يكون مفرداً، وفي صيغة الملكية -في اللغة الأنجليزية- وليس جمع في صيغة الملكية لجميع العائلات تكريماً لأمهاتهم ولكافة الأمهات في العالم. واستعمل هذه التسمية رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون في القانون كعيد رسمي في الولايات المتحدة، كما استعمله الكونغرس الأمريكي في سنّ القانون. وأشار له رؤساء آخرون في إعلاناتهم، مركزين على عيد الأم

 وغدا احتفالا مرحبا به بشكل واسع، ويختلف تاريخه عيد الأم من دولة لأخرى؛ فمثلاً في العالم العربي يكون اليوم الأول من فصل الربيع أي يوم 21 مارس، أما في النرويج فيحتفل به في 2 فبراير؛ وفي الأرجنتين هو يوم 3 أكتوبر، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم 1 مايو. وفي الولايات المتحدة يكون الاحتفال في الأحد الثاني من شهر مايو من كل عام، وفي إندونيسيا يحتفلون به في يوم 22 ديسمبر. ولكن أيعقل أن هذه الشعوب عرفت قيمة الأم مؤخرا، ونسيت مدى الدور الذي تلعبه في صنع الأمة، ولو عدنا إلى التاريخ وفتشنا في محتواه لوجدنا الكثير من القصص ومن الأخبار التي تبجل الأم، الأم التي اعتلت العروش وتقلدت أعلى المناصب، فلم يخلُ مكانها عند القدماء المصريين، بل أقاموا لها احتفالاً سنوياً لتكريم الآلهة إيزيس، وهي من أكثر الإلهات المحبوبات، وتحملاً وصبراً في مصر القديمة والتي كانت رمزاً للأم والزوجة المثالية، وكانت راعية الطبيعة والسحر. وفقاً إلى الميثولوجيا أو علم الأساطير، كانت إيزيس زوجة أوزوريس وأخته أيضاً. وحينما قام أخوهما الغيور ست بقتل أوزوريس، قامت إيزيس بجمع أشلاء جسد أوزوريس، التي تم توزيعها على أقاليم مصر. ثم أصبحت حاملاً بابن أوزوريس، حورس، الذي انتقم لموت أبيه، وقتل ست ليصبح أول حاكم لمصر. ونتيجة لذلك، اعتبرت إيزيس أم للملوك الفراعنة وأصبحت رمزاً للأمومة، وتم إقامة احتفالاً سنوياً تكريماً لها

 ولكن إن كانت معظم الدول العربية أو الأجنبية تعتزم الاحتفال بها في يوم واحد في السنة فإن الدين الإسلامي أوصى بالاحتفال بها ورعايتها كل يوم، ففي القرآن الكريم ذُكرت الأم إحدى عشرة مرة، وكرّمها الإسلام بأنْ جعل لها الأفضلية في البر والمعروف والإحسان، لِعظمة ما تحمّلته من الحمل، والوضع، والرضاع، والتمريض، والتربية، والتنشئة، كما صور مدى التعب والمشاق الذي تتحمله، الذي يعجز عنه جميع المخلوقات، فيقول عزوجل: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وفي آية أخرى، يقول: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)

ولا نجد أجمل من تشبيه قلبها الذي يكاد يكون كعود المسك كلما احترق فاح شذاه كما يقولون، وفي الآية التي تصور مدى حزن أم موسى حين فقدته بقوله عزوجل (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ولم تقتصر على الآيات بل تضمنت، أيضا، الأحاديث التي تحث على الرعاية والاهتمام والإحسان لها. (سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ) وهناك حديث آخر يبين أن الاعتناء بها أهم من الجهاد في سبيل الله (جاء رجل اسمه جاهمة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسولَ اللَّهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) فالاسلام عرف قيمتها، ودورها، بأنّها الشخص الوحيد الذي إذا غاب لا يمكن تعويضه، لأنها من يمدنا بالرجاء والقوة والتعزية، حين نتعثر باليأس والضعف والحزن، لذلك حثّ على أن تكون عيدا لنا في كل يوم وليس فقط في يوم واحد، حتى إنه قرن دخول الجنة برضاها، ودخول النار بعقها؛ لنعرف أنه لا مجال للتواني في برها، واحترامها، فعلّمنا لو كبرنا وشاب رأسنا، وظهرت على سحنتنا ملامح الشيخوخة، ولاحظها الجميع،  تبقى الأم الشخص الوحيد الذي لن يلاحظها، لأنها لا ترانا إلا صغاراً ونحتاج للأمومة والحنان، وكما يقال: " لو جردنا المرأة من كلّ فضيلة لكفاها فخراً أنّها تمثّل شرف الأمومة" فالسلام على أمي أول الأوطان وآخر المنافي، فعيدك كل يوم في قلبي وفي سائر الأيام.

10 عيد الأم ، العادات والتقاليد ، تاريخ عيد الام

مواضيع ذات صلة