11 مقالات

وباء كورونا وغيره من الأوبئة وموقف المسلم منها / مقالات

09/05/2021

د. عصام عبد ربه محمد مشاحيت

مما لا ريب فيه إن الابتلاء سنة من سنن الله عز وجل، جعله الله تعالى تذكيرا للخلق بحقارة الدنيا، فالله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء، وبالأمراض والأوبئة كل ذلك بتقدير الله تعالى، فما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله، قال تعالى: " مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (التغابن :11 ).

 وقد يبتليهم الله عز وجل بالأوبئة والأمراض لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- والصالحين من عباد الله، فعن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، قال: سئل النبي، صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: “الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة” (أخرجه أحمد في مسنده رقم: 1494).

 وقد يكون الابتلاء من الله عز وجل لعباده لتكفير السيئات كما في قوله تعالى: " مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ"  (النساء:123)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه" ( متفق عليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيرا يصب منه"  (أخرجه البخاري)، وقد يكون الابتلاء عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة" (أخرجه الترمذي وحسنه) (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز،4/ 371).

قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد: " والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء، والامتحان على قدر حاله يستفرغ به من الأدواء المهلكة حتى إذا هذبه ونقَّاه وصفَّاه أَهلهُ لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه" (زاد المعاد 4/179).

فلا شك أن لله - سبحانه وتعالى- حِكَمًا فيما يقدره ويقضيه لعباده، وإن من حِكم الله -عز وجل- فيما قدر وقضى الابتلاء والامتحان، فيبتلي عباده – سبحانه - بأقداره ومنها ابتلائهم بالأمراض والأوبئة والفيروسات التي يقف الطب أحيانًا عاجزًا عن علاجها أو اكتشاف أسبابها ودواء لها، وما هذه الفيروسات التي نسمع عنها ما بين فترة وأخرى كفيروس كورونا وغيره والذي قضي على المئات من الناس إلا نوع من هذا الابتلاء والاختبار للعباد من الله سبحانه وتعالى. فحكمة الله تعالى ثابتة في تقديره، وفي أحكامه.

 وهذا الامتحان والابتلاء للمؤمن في الدنيا، من أقدار الله، وفيها لله حكمة، يُحذر فيها المؤمنين من الركون إلى الدنيا، ويعيدهم بالمصائب إلى طريق التوبة، والإقبال على الله، يبين لهم ضعفهم ليثقوا به، يبين لهم عوراتهم وعجزهم ليتوكلوا عليه، ليتعبدوا له بالدعاء؛ ليتضرعوا إليه إذا نزلت بهم مصيبة، أو حلت بهم شدة.

وأما الكافر فإن ما يصيبه دعوة لرجوعه إلى ربه مؤمناً، وكم من أناس كانوا كافرين فابتلاهم الله، فعادوا إليه، ووجدوا طعم الإيمان، والأمان في هذا الإسلام، قال تعالى" وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ " (سورة الأنعام42).

وأما عن موقف المسلم اتجاه هذا الوباء "وباء كورونا" وغيره من الأوبئة والأمراض، فالإسلام قد جاء بفضل الله بتدابير عدة في أمور الصحة منها على سبيل الذكر لا الحصر:

1-   إن الله تعالى شرع لنا الطهارة قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المتطهرين" (سورة البقرة :222)، وقال تعالى: " فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يتطهروا " (سورة التوبة: 108)، وفي الحديث الشريف: "الطهور شطر الإيمان"، فإذا كان المسلم يغسل أعضاءه خمس مرات تقريباً يومياً، وهذه الأعضاء الظاهرة والأطراف التي كثيراً ما تصيبها مثل هذه الفيروسات (كورونا ) التي تسبب الإصابة بالأمراض، فإن غسل اليدين وكذلك الوجه، ومسح الرأس، وغسل القدمين، تجد في هذا من أنواع النظافة والتطهير بالماء سببا من أسباب الوقاية من مثل هذه الأوبئة، وهذا ما أوصت به منظمة الصحة العالمية.

2-   إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه " (رواه أبو داود، وهو حديث صحيح)، وكذلك: " فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته " (رواه الترمذي، وهو حديث حسن).

3-    وعن الشريد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قد بايعناك فارجع" (رواه مسلم: 2231)، فكرة النبي مقابلة المصاب بمرض معد. ( وهذا ما يسمى اليوم بالحجر الصحي ).

وفي الختام أقول: إننا أمام هذه الأوبئة يتبَيَّن لنا ضعف البشر، وقلَّة حيلتهم ، وليعلم الجميع إن الله تعالى جعل لكل داء دواء، كما في الحديث الصحيح: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علم، وجهله من جهل"، وقال عليه الصلاة والسلام: "  لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برء بإذن الله" .

فمن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هُدي في قلبه، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرا منه.  هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

11 كورونا ، الشريعة ،

مواضيع ذات صلة