العدد الثالث عشر تأملات إعلامية

وظيفة الاقناع في المحافل الإعلامية / تأملات إعلامية

17/02/2022

د. طه احمد الزيدي

هنالك (3) سنوات من الاستعدادات المتواصلة والجهود المبذولة والتوجيهات والخطط المدروسة لعقد الملتقى الإعلامي والمحفل الدعوي العلني الأول في تاريخ الاسلام، وكل هذه الجهود لأجل بلوغ أعلى مراتب اقناع الرأي العام بالرسالة.

فالإقناع: عملية يحاول القائمون على الفعاليات والتجمعات والمحافل الإعلامية والمؤتمرات الصحفية، جعل الجمهور المخاطب يتقبل فكرة التجمع وأهمية المشاركة فيه أو على الأقل متابعته وتحري مخرجاته، وتتفاوت نسبة الاقتناع بحسب مقدرة القائمين عليه وكمال مؤهلاتهم، وطبيعة الرسالة الإعلامية الموجهة إليه ونوع الجمهور المخاطب، وتأثير وسائل التواصل عليه، وقد رسم القرآن الكريم معالم الاقناع في إقامة المحافل الإعلامية من ثلاثة مداخل:

الاول: اقتناع المرسل أو المسؤول الاول للتجمع نفسه، برسالته وأهميته وضرورة عقده، وتحقيق أهدافه.

ولذا جاء الخطاب في الآيات القرآنية الأولى موجها إلى النبي عليه الصلاة والسلام: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)(سورة العلق: 1-5)- (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ *قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) (سورة المزمل 1-2)، (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ *وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ *وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ *وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (سورة المدثر 1-6).

حتى إذا ما أصبح المرسل مقتنعا بهذه الرسالة، مستعدا لتبليغها للناس كافة، أمر بالتبليغ المحدود والإعلام الداخلي، وقد بلغت هذه المرحلة ذروتها كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد، حينما أتى وفد قريش (المعارضون والمثبطون) إلى عمه أبي طالب وحدثوه بأمره وبذلوا المغريات والتهديدات لصرفه عن هذا الأمر فبعث إليه ، فَقَالَ له رَسُول اللّه عليه الصلاة والسلام: (يَا عَمّ، وَالله لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ الله، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ)، وقوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي).

فمن لم يقنع نفسه بفكرة لن يستطيع أن يقنع غيره بها، بل لن يثبت عليها مع أول إغراء أو تثبيط أو تهديد.

الثاني: إقناع المجموعة الأولى أو فريق العمل المنظم، برسالة التجمع واهميته، وتتجلى في المرحلة السرية من الدعوة او الإعلام الداخلي، والعلاقات العامة الداخلية المحدودة، وكان طبيعيا أن يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالمقربين منه، فتركزت جهوده صلى الله عليه وسلم بإعداد المجموعة الأولى لحمل الرسالة، متخذا من دار الأرقم بن أبي الأرقم، مقرا للعلاقات العامة والإعلام واللقاء بهذه المجموعة، وفيها يتلقون عنه صلى الله عليه وسلم، كل جديد من الوحي، ويستمع إليهم، ويأخذون التوجيهات منه، قبل أن ينطلق بهم الى التجمع الإعلامي المعلن. 

حتى بلغ بهم درجة الايمان والاقتناع التام بالرسالة والاستجابة الكاملة للوحي، وذلك في ثلاث سنين، وقد وصف الله تعالى فيما بعد قوة تمسكهم بالرسالة فطلب من رسوله التمسك بهم حينما طلب زعماء قريش عزل هؤلاء الفقراء المستضعفين فلا يقعدون معهم ولا يشاركونهم مجالسهم فكان الرد القرآني الحاسم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (سورة الكهف: ٢٨).

فهذا الفريق لا ينبغي التخلي عنه في جميع مراحل عقد التجمع الإعلامي من التحضيرات وحتى الفراغ منه.

الثالث: إقناع الحضور والجمهور المتلقي برسالة القائم بالتجمع: قال الله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (سورة الشعراء: ٢١٤)، ولنتأمل كيف تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع هذا الأمر والتوجيه الرباني في إقامة تجمع إعلامي علني: في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ» ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ  وفي رواية: فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، بَيْنَ رَجُلٍ يَجِيءُ إِلَيْهِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولَهُ»، وهذا الحديث تضمن فوائد جمة ينبغي على منظمي التجمعات الإعلامية مراعاتها، ومنها: 

- توظيف كل وسائل الاتصال المحلية والدولية والتواصل المؤثرة لاستقطاب المعنيين بالتجمع أو المحفل الإعلامي.

- ينبغي مراعاة لغة الخطاب المؤثرة والمناسبة للمعنيين بالتجمع فتكون لغة مهنية مع الحرص على قياس الرأي العام.

-على منظمي المحفل  الإعلامي وضع قائمة بالشخصيات المهمة والمؤثرة من الخبراء والمحللين وصناع الرأي، والتي يعزز حضورها نجاح المحفل الإعلامي وتحقيق الاهداف المرسومة للتجمع.

-على المنظمين وضع خطة لمتابعة مدى الاستجابة للدعوة الى التجمع، ومتابعة ردود الافعال والانتقادات الموجهة للتجمع أو المحفل في أثناء عقده او بعد انقضائه، والعمل على تداركها بتوضيحها أو تصحيحها او حذفها او اضافتها، ضمن مبدأ تعزيز التغذية الراجعة المتبعة في العملية الإعلامية.

وفي التجمعات والمحافل الإعلامية ينبغي الحرص على اقناع المؤسسة الرسمية ولاسيما السلطة العليا بإقامتها فهذا يشجع الناس على حضورها ويعزز قوتها وفرص نجاحها، فقد تولى إدارة المحفل ورعاية التجمع بين موسى عليه السلام والسحرة، فرعون مصر بنفسه يؤازره حاشيته: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)(سورة الشعراء)، واستجاب لهم: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (سورة يونس:79)، وكانت النتيجة انقلاب الرأي العام المنقاد واقتناعه بالحق الذي جاء به موسى عليه السلام.

 

العدد الثالث عشر وظيفة الاقناع في المحافل الإعلامية

مواضيع ذات صلة