العدد الرابع عشر تأملات إعلامية

المشاركة الفعالة في العملية الاتصالية / تأملات إعلامية

18/02/2022

د. طه احمد الزيدي

من عوامل نجاح أي نمط من انماط الاتصال ولاسيما في العملية الإعلامية أو العلاقات العامة، الفاعلية والتفاعلية بين أطراف الاتصال، ويعبر عنها احيانا بالمشاركة الفعالة، ويقصد بها: إعطاء دور لفريق العمل وللجمهور في اثناء الاعداد والتخطيط ومراحل التنفيذ، واشعارهم بأنهم جزء مهم وركيزة من ركائز هذا العمل.

أما اتاحة المشاركة لفريق العمل الإعلامي ومجموعة العلاقات العامة فتتجلى في اعتماد مبدأ الشورى، قال الله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (سورة آل عمران: ١٥٩).

ومن ثمار الشورى: تعزيز التفاعلية، وزيادة الترابط بينهم، وتدعم التعاون والتفاهم المشترك بينهم ومع مسؤول العمل وقادة التجمع، واحترام الجمهور، وأشارت الآية الى توظيف جميع الطاقات ولو صدر منها تقصير.

وأما مشاركة الجمهور الخارجي، فتكون بمراعاة الرأي العام، لما فيه جلب مصلحة أو دفع مفسدة، فإن كان هناك مصلحة وغلب الظن بتحقيقها فلا بد من إبداء الرأي، أو وجدت مفسدة يمكن درؤها بإظهار الرأي، فيُعبر عنه، وإلا فالسكوت أولى، ونستنبط من هذه القاعدة، أنه لا بد لصاحب الرأي أو من يراعيه من القائم على التجمع الإعلامي أو المحفل العلمي المغطى إعلاميا أن ينظر إلى ما تؤول إليه الأمور عند إعلان رأيه أو عند مراعاته أو مواجهته.

وقد تتطلب مرحلة الاعداد ولاسيما بعد الاعلان عن التجمع الإعلامي أو المحفل استطلاع رأي الجمهور الخارجي، والوقوف عليه، وقياس اتجاهاتهم، بهدف تغييرها وتوعيتهم وإرشادهم إلى كل ما هو حسن ونافع بالأسلوب الحسن (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (سورة البقرة: ٨٣ )، كل ذلك لضمان تفاعل ايجابي أو مشاركة فاعلة في التجمع ، ومعلوم أن من أهم عوامل نجاح أي تجمع إعلامي نسبة المشاركة النوعية فيه، وسعة التفاعل مع مخرجاته.

اعتماد منهجية التخطيط وحسن التدبير لتفعيل المشاركة الإعلامية

تمثل علاقات التواصل مع من يراد مشاركهم في التجمع الإعلامي أو العلمي المتابع إعلاميا: «جهدا مخططا للتأثير»، فالتخطيط من أهم سماتها، وهو أسلوب علمي تتخذ بمقتضاه التدابير العملية لتحقيق اهداف معينة مستقبلية، فهو رسم صورة أو تصور للمستقبل، مع التصميم والتنظيم للعمل للوصول إليه، وهذا المفهوم للتخطيط يزخر به كتاب الله تعالى، وله صور مشرقة في السنة النبوية مما يدل على مشروعيته؛ فالعمل للآخرة والاستعداد ليوم الميعاد الذي حدده الله تعالى لعباده والسعي من العبد للفوز بالجنة، يعد تخطيطا لجميع العباد في هذه الحياة الدنيا، وإن مرحلة النبوة التي تسبق الرسالة تعد تخطيطا ربانيا لرسله للعمل في مرحلة الرسالة وتبليغ الناس دين الله تعالى.

ويخاطب الله تعالى عباده منبها إياهم على التخطيط للغد المتمثل بالآخرة وعدم الانشغال بالدنيا عنها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (سورة الحشر: 18).

ومن يطالع القرآن الكريم يجد صورا عملية عدة للخطط المستقبلية، منها ما جاء في قصة نبي الله موسى عليه السلام والعبد الصالح، حيث ذكرت وقائع لها نتائج مستقبلية مرجوة، يقول الله تعالى على لسان العبد الصالح: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) (سورة الكهف).

وأما التخطيط للأمور الدنيوية فيتجلى التخطيط الاقتصادي والسياسة المالية في قصة نبي الله يوسف عليه السلام وقد وضع لأهل مصر خطة لمدة 15 عاما، راعى فيها سنوات الخصب والجدب يقول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) (سورة يوسف).

وفي التخطيط الميداني يتحدث القرآن عن خطة النبي محمد عليه السلام في إحدى معاركه: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (سورة آل عمران: 121)، فتنظيم المقاعد وحتى تصنيفها وترتيبها وحسن توزيع المشاركين عليها مطلوبة في كل تجمع ومنه التجمع الإعلامي أو العلمي أو الثقافي، ومن التخطيط المدروس لمراعاة الرأي العام فإنه يترك العمل المشروع الذي يمكن أن يستغل إعلاميا بصورة سلبية، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين الذين لهم اتصالات خارجية تصل الى حدّ الخيانة العظمى مراعاة للرأي العام: (لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) متفق عليه.

فالتدبير والتخطيط للمستقبل سمة من سمات العمل الإسلامي وينبغي اعتماده في تنظيم أي تجمع إعلامي أو علمي أو فكري ، تجعل القائمين عليه يعرفون ما يريدون، وإلى أين يريدون أن يصلوا، وكيفية الوصول إلى ما يريدون الوصول إليه سواء في الأمور الآنية أو المستقبلية، وسبل ضمان مشاركة الجمهور، وهو ليس رجما بالغيب، وإنما هو حسن تدبير يستند إلى: إعمال للعقل وتوظيف للتفكير الذي وهبه الله تعالى للإنسان لتحقيق أهدافه الدينية والدنيوية بالاستفادة من كل الطاقات والقدرات والظروف المتاحة لإنجاز ذلك بنجاح، يقول الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). (سورة القصص: 77).

العدد الرابع عشر المشاركة الفعالة في العملية الاتصالية

مواضيع ذات صلة