العدد الخامس عشر مقالات

إشكالية الوعي في واقع متأزم / مقالات

19/02/2022

حيدر الحيدر الأجودي

الوعي شعور يعتمد على معطى معرفي ينبثق من العلم والعقيدة والرؤية والممارسة، وعليه فأن الوعي بهذا التوصيف يكون انعكاسا شموليا للمنظومة الحياتية التي يعيشها الإنسان، ثم إنه يعد موجها سلوكيا تبنى نتائجه على مساحة الوعي المختزن ليحقق موازنة بين النتائج السلوكية المستحصلة سلبا أو إيجابا بحسب قلته أو غزارته.

فقد تخطأ فطرة الإنسان بإتباع الهدف الصحيح نتيجة عدم قدرته العقلية على التشخيص الصحيح أو نتيجة قلق نفسي نابع من تأزم واقعه المعيشي، مما ساهمت مؤثرات سلبية عدة في إيجاد أزمة وعي تحيده عن مساره، فيقع في شرك الضلال، وهذا يدعونا إلى التفكر في صناعة أزمة الوعي من عند أعداء الإسلام، الذين يثبت في وجدانهم وقناعتهم في أن للإسلام جذورا عميقة في وجدان الأمة، فكان لابد لهؤلاء من أن يسعوا جاهدين إلى رسم خطة استراتيجية تتضح ملامحها في بعض الاتجاهات الفكرية التي تتعارض وفكر الإسلام فتخلق ممارسات سلوكية قد نهى عنها الإسلام في ظل المتغير الفكري في البلاد الإسلامية، حيث أوجدت اضطرابا كليا في العالم الإسلامي، إذ أصابت الأمة بالشلل لانشغالها بنفسها.

فنتج عن ذلك، وعي متأزم أدى إلى خلق مواقف مخطئة ومسالك غير صحيحة حدتهم عن الهدف الذي خطه الإسلام، وقد نتج عنه جمهورا مشلول الفكر، ومنهجا غير مدروس قد ولد قلقا دائما في الذات الإسلامية لتؤدي إلى فقدانه هويته، ومن المسلمات لغياب الوعي هو القصور في حجم المسؤولية، وأبعادها الاستخفاف بمقدار خطورة أعباء القيادة، فينتج عن هذا القصور والاستخفاف قيادات قاصرة تتولى القيادة، فتشتغل في الاحتراب بينها، وهي في الوقت نفسه تكون بموقف العاجز عن التصدي لخط استراتيجية التدخلات الخارجية، فهذا تحدي تنأى تلك القيادة بنفسها عنها لقصور في إدراكه وفهمه لواقعه، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات، وهذه الأزمات تدخل في نوع واحد من الوعي، وهو الوعي السياسي الإسلامي، فليس الوعي السياسي للإسلام وعيا للناحية الشكلية في الحياة، بل هو وعي سياسي عميق مرده إلى نظرة كلية كاملة نحو الحياة والكون والاجتماع والسياسة والاقتصاد والأخلاق، فهذه النظرة الشاملة هي الوعي السياسي الكامل.

وربما تتعدد مواطن التأزم في الوعي، والتي أهمها هي أزمة الوعي الديني المتمثل في إشكالية التعامل مع الحداثة بسبب الانفتاح على المجتمعات الأخرى ومحاولة اللحاق بركبها، فضلا عن إشكالية التعاطي مع مناهج التجديد والإصلاح، وأزمة الخطاب الديني الذي يبدو واضحا في قصور بعض المتصدين الإسلاميين في فهم المقاصد الشرعية مثل العدل والاعتدال ونبذ الفرقة والخلاف والجهاد...الخ، ولاسيما في الخطاب الديني المعاصر ومظاهر التطرف الفكري والانغلاق والتعصب لبعض العلماء والاعتقاد برأيهم الذي لا يحتمل فيه قبول رأي آخر.

وهناك أزمة الوعي الحضاري، وأزمة الوعي بفعل المرأة الفكري والثقافي والاجتماعي وغيرها من الأزمات، ومما ذكر تبدو ملامح الهمجية الشرسة من أعداء الإسلام واضحة وخطتها مكشوفة، بيد أن العلاج لذلك هو تحرير الوعي الإسلامي من قيوده، خاصة أنه في حالة إنسانية في العقل والشعور، تستند إلى معطيات معرفية وينبثق عنها موقف عملي وممارسة سياسية، وهو انعكاس للموقف العقائدي الذي يتبناه الإنسان مؤلفا نظرة خاصة إلى الواقع بما يكتنزه من أفكار وأشخاص وأشياء وظواهر وأحداث، وتوليف هذه النظرة الخاصة للواقع تتأتى من إدراك المنهج الحياتي الذي اختطته الشريعة، ويكون ذلك بدءا بوعي الإسلام وعيا صحيحا فأخذه صافيا من منابعه الأصل وهو الكتاب المجيد الذي تكفل الله تعالى بصيانته من التحريف والسنة المطهرة التي تطابق ما جاء في الكتاب الكريم.

لذا فأن الوعي ضرورة قصوى لواقع متأزم معيشي تتفاقم فيه آفات العجز الفكري وفقدان الرؤية النقدية العلمية، وهذا يدعو المسلم إلى التنبه على هذا الخطر العظيم، فيحركه باتجاه المصالحة مع الذات الإسلامية الواعية قيادة وجمهورا.

 

العدد الخامس عشر إشكالية الوعي في واقع متأزم

مواضيع ذات صلة