العدد الخامس عشر مقالات

أخلاق إسلامية صفة العفو وأثرها في سلوك الإنسان المؤمن / مقالات

19/02/2022

د. خلفان بن سالم بن عبدالله الكحالي

العفو صفة من صفات الله عزوجل ومأخوذة من الفعل عَفَا يعفو عفوا وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب وأصله المحو والطمس وعفوت عن الحق أي أسقطه، والعفو من أسماء الله عزوجل الحسنى قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى: 25. ومنه قوله تعالى: (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء: 99. فالله عزوجل العفو الذي يمحو السيئات ويتجاوز المعاصي ويزيل آثارها لا يؤاخذ الإنسان بها إذا تركها وكذلك من كمال عفوه وكرمه يبدل مكان هذه السيئة حسنة قال تعالى:(فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) الفرقان:70 . كما نجد لهذه الصفة مكانة عظيمة في الإسلام لا يصل إليها من جاهد نفسه وجردها من الهوى والشهوات, فهي أمر من عند الله تعالى لقوله تعالى:(فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره)البقرة109. وقوله تعالى:(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المائدة 13. كما هو أمر نبوي فقد ورد عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أيُّ الناسِ أفضلُ قال:(كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ) قالوا صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ قال:(هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ)ابن ماجه 3416صحيح الترغيب (2889). والإنسان بحاجة لعفو الله عزوجل لأن من طبيعة البشر جميعا أنهم غير معصوم من الوقوع في المعصية إلا أنبياء الله فإنهم معصومون, وقد تكون هذه المعصية في حق الله أو في الإنسان بنفسه أو حق الناس, ومما يؤدي بوقوع الإنسان في المعصية والخطأ أمور كثيرة منها وسوسة الشيطان قال تعالى:(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ)الأعراف:20. والنفس الأمارة بالسوء قال تعالى:( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي • إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) يوسف:53. ولما كانت من طبيعة الإنسان الخطأ، فإن المسلم ن من صفة عدم الإصرار على هذا الخطأ والاستمرار فيه وإنما وجب عليه المسارعة في التوبة بترك ذلك الخطأ والابتعاد عنه والرجوع إلى الله تائبا مستغفرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ.)4241. ويرجو العفو والمغفرة سائلا المولى عزوجل قائلا( اللهم إني أسلك العفو والعافية) وليعلم المسلم أنه مهما أسرف على نفسه وغليت عليه شقوته ثم تاب إلى ربه ورجع غفر الله جميع ذنوبه وخطيئته قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)الزمر:53. ولقد روى أنس بن ملك رضي الله عنه أن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً):3540. وعليه أن يحرص على الأيام والليالي التي لها فضل عظيم مثل ليلة القدر التي جعلها الله عزوجل خير من ألف شهر فعليه اغتنام فضلها فقد وجه صلى الله عليه وسلم زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه ان تسأل الله العفو في هذه الليلة التي يستجيب فيها الدعاء ويعفو فيها عن عباده لأن من صفاته العفو عن التائب. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟» قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» الترمذي:3513. فسبحان الله الذي لم يزل ولا يزال ينعم على عباده بالعفو والستر فعلى المسلم أن يحرص على أن تكون من صفاته العفو عن الآخرين والتجاوز عن إساءتهم وزلاتهم متخذا من الأنبياء وأخلاقهم قدوة له كسيدنا يوسف عليه السلام ما فعله به إخوته فلما مكنه الله له وجاء يعتذرون عفا عنه وصفح قال تعالى:(لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) يوسف 92. ومتخذا من رسول الله صلى الله عليه أسوة حسنة فقد كان أجمل الناس خلقا وخلقا وصفحا وعفوا على الرغم مما تلقاه من قومه من إيذاء وسخرية وتشويش على الدعوة إلا أنه قال لقومه يوم فتح مكة حين قَالَ لهم: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ» 382 فعلى المسلم أن يكون صاحب عفو وصفح ومتجاوزا لأخطاء الغير لا صاحب ضغينة حتى ينال طمأنينة القلب وراحة البال والعافية في الدنيا لا مضطربا قلقا تراوده الهموم والهواجس في كل وقت وحين.

العدد الخامس عشر أخلاق إسلامية صفة العفو وأثرها في سلوك الإنسان المؤمن

مواضيع ذات صلة