العدد الخامس عشر مقالات

لغويات قرآنية حــ 7 / مقالات

19/02/2022

د.بسام الأغبر

ما المقصود بـ (المهاد، والأوتاد) في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (7)} [النبأ 6-7]

يحشدُ القرآن الكريم من الحقائقِ والمشاهدِ والصورِ والإيقاعاتِ ليعود بهم إلى ذلك النبأِ العظيمِ الذي هم فيه مختلفون، وهو ما بدأت به هذه السورة الكريمة؛ فعندما أنكر المشركون البعثَ، جاءهم السؤالُ، وهو: ألم يَخلُقُ من يُضافُ إليهِ البعثَ هذه الخلائقَ العجيبةَ الدالةَ على كمالِ القدرةِ، فما وجه إنكار قدرته على البعث؟

 والحكيم لا يفعل فعلاً عبثاً، وما تنكرونه من البعث والجزاء مؤدّ إلى أنه عابثٌ في كل ما فعل، وحاشا لله أن يكون عابثاً.

معنى {مهادا} في اللغة يعود إلى المَهْد للصَّبيّ، وَكَذَلِكَ الموْضِعُ يُهيّأ لينام فِيهِ الصَّبِي، أي الفراش الْمُوَطَّأُ، والمِهاد مصدر، سُميّ به للمبالغة، أي هو اسْمٌ أجمَعُ من المَهْد، ويُتولد منه، معان، منها:

الْمُرَادُ مِنْهُ هَاهُنَا الْمَمْهُودُ، أَيْ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مَمْهُودَةً، أي جَعَلَ الْأَرْضَ مُلَائِمَةً لِلْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي عَلَيْهَا، (وَهَذَا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، كَقَوْلِكَ هَذَا ضَرْبُ الْأَمِيرِ).

أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى ذَاتِ مِهَادٍ، وَقُرِئَ مَهْدًا [مجاهد، وعيسى الهمداني الكوفي]، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ لِلْخَلْقِ كَالْمَهْدِ لِلصَّبِيِّ، وَهُوَ الَّذِي مُهِّدَ لَهُ فَيُنَوَّمُ عَلَيْهِ.

معنى أوتادا،مفردها (وتد) أي ثبتناها بالجبال كما يثبت البيت بالأوتاد. وَيُقَال: وَتَّد فلَان رِجْلَه فِي الأَرْض إِذا ثبَّتها.

وبدلا من أن تكون الجبال مكونة من سلسلة من التلال التي تعلو سطح الأرض، فإن القمم المكتشفة بنيت على طبقات أخرى من الصخور، مثل ما يحدث عندما تمزج أسنان مشطين معا.

وقالت الدكتورة جيسيكا إيرفينغ، من جامعة برينستون، لصحيفة «ذي صن»: «من الصعب مقارنتها بالجبال التي نراها على السطح، هذه حدود صلبة متينة، حيث أنها صلبة في أعلاها وصلبة في أدناها، وقد تكون كبيرة مثل إفرست، وربما أكبر»

فلم يقل القرآن (والجبال كالأوتاد) بل اعتبرها أوتاداً حقيقية، ولو تأملنا شكل أي جبل وطبيعة عمله، رأيناه يعمل عمل الوتد المثبت في الأرض.

وبذلك، عبّر القرآن الكريم، في كل لفظة من ألفاظه، وكل كلمة من كلماته، على معنى دقيق، لا يمكن أن يقوم مقام هذه اللفظة أية لفظة أو كلمة أخرى، وفي كل يوم يظهر للعلماء حقائق علمية أثبتها القرآن الكريم منذ نزوله على النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم. 

العدد الخامس عشر لغويات قرآنية حــ 7