العدد الثالث مقالات

هل واجه الجهاز المناعي للشركات الصغيرة والناشئة فايروس كورونا؟ / مقالات

04/11/2020

عقيل جبر علي

إنَّ انتشار وباء «كورونا» خلال فترة قصيرة وسريعة  أحدث آثاراً كبيرة على العالم عموماً، وعلى المنطقة العربية خصوصاً، وعند إغلاق الحدود تراجعت الأسواق المالية، وبات الناس لا يعرفون ما الذي سيحدث لاحقاً، وخلال أوقات عدم اليقين، من الطبيعي أن تقلق الشركات والمؤسسات حول العالم من الانعكاسات على أدائها المالي، وفوق هذا كله، قد يكون الأكثر أهمية، عليها أيضاً، الاهتمام بصحة الموظفين وسلامتهم بما في ذلك الصحة النفسية.

في ظل تفشي هذا الوباء، وتفاقم الأزمة المالية الاقتصادية، وانخفاض أسعار النفط الخام العالمية، تأثرت القطاعات بالتغيّيرات الحالية في سوق العمل والوضع الاقتصادي العالمي ولجأت أغلب الشركات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية  لنظام العمل عن بعد، بينما ما زالت الشركات الأخرى تترقّب الوضع الحالي والتطورات السياسية، والحكومية، والاقتصادية، لاتّخاذ القرار المناسب. 

لقد أصبح العمل عن بُعد وسيلة لاستمرارية الأعمال إلّا أنّنا نجد أغلب أصحاب العمل غير متأكدين من محافظة الموظفين على مستوى الإنتاجيّة ذاته، وإذا ما كانوا يملكون الأدوات والتقنيات المناسبة التي تمكّنهم من أداء عملهم.

نرى  أن  هذا الوقت المناسب للتعامل المرن مع تدفقات العمل وتكييف العمليات والإجراءات القائمة مع الحلول المتاحة. ويجب على الشركات إعادة النظر في عملياتها وإجراءاتها من منظور جديد تماماً، إضافة إلى ذلك، لا بد للمؤسسات أن تكون واقعية في توقّع آثار الموقف على أعمالها وموظفيها، وعلى سلاسل التوريد، فهذا هو السبيل الوحيد لتتمكن من الاستعداد بشكل أفضل للتغيرات المحتومة في السوق فيما يعود الوضع تدريجياً إلى طبيعته بعد السيطرة على الوباء. كذلك، فإنَّ أهمية وجود خطة واضحة في الشركات، يساعدها على التكيف مع المستجدات الطارئة والأزمات، وينبغي أن تشمل خطة العمل سيناريوهات عدة للحفاظ على العمل واستمرارية تشغيله بكفاءة، علاوة على تأمين البيانات التي تعد من أهم أصول الشركات، فضلا عن  وضع قواعد لحماية العلامة التجارية والاحتفاظ بالعملاء مع تقليل وقت التوقف عن العمل، وهو ما سيساعد على تقليل خسائر الشركات في وقت الأزمات. لقد أصبح من الضروري  أن يكون لدى الشركات احتياطي للطوارئ؛ ليكون بمنزلة وسادة تستعمل ضد المفاجآت والأزمات المترقبة. لذلك، أصبح العمل عن بُعد وسيلة لاستمرارية الأعمال إلّا أنّنا نجد أغلب أصحاب العمل غير متأكدين من محافظة الموظفين على مستوى الإنتاجيّة ذاته، وإذا كانوا يمتلكون الأدوات والتقنيات المناسبة التي تمكّنهم من أداء عملهم.

إن بعض الأساليب لقيادة فرق العمل خلال هذه الأزمة تتجسد في خطوات عدة:

أولها: اعتبار تأثير الفيروس على الجميع؛ إذ يجب على القادة الأخذ في التأثير العاطفي، والنفسي، والجسدي، وصحة أفراد الفريق وعائلاتهم جميعهم

ثانيهما: من أجل اتخاذ قرارات حول كيفية مواصلة العمل، يجب الحرص على أن يواصل الموظفون عملهم بما يضمن الأمان المالي لكل منهم. 

أخيراً: أن يكون هناك اهتمام عالٍ في الاعتناء بتحديث الميزات الصحية، واتاحة التأمين الصحي وتخفيض الساعات لكل موظف كملاذ أخير؛ إذ يجب على المديرين إيجاد طرق لدعم موظفيهم مالياً؛ لأن النسبة الأكبر من الأفراد ليس لديهم مدخرات للطوارئ، التي تشمل حالات تخفيض ساعات العمل أو فحوصات كوفيد 19 أو رعاية الأطفال وغيرها.

وبذلك كشف تفشي فايروس «كورونا» مدى ضعف الجهاز المناعي للشركات، وعدم قدرتها على التعامل مع هذه الهزات المفاجئة، وعدم قدرة كثير من الشركات المرموقة على مواكبة التحولات واسعة النطاق في الطلب وتوقعات العملاء، وإزاء ذلك، هناك طريقتان يمكن الاستفادة منهما والعمل وفقاً لهما: الأول، بناء مؤسسة قادرة على السير بسرعة مزدوجة، إذ  يمكن مطابقة دورة صنع القرار الداخلية مع احتياجات العمل. والآخر، العمل على تعزيز جمع المعلومات في المؤسسة في الوقت الحقيقي. وهذا يعني بناء الأنظمة والقدرات والبرامج  التي تمكّن الأشخاص عبر المؤسسة من معرفة ما يجري في جميع الأوقات، حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات ذكية ينبغي على الدول الاسلامية أن تقود جهود الاستجابة للتصدي لصدمات جائحة كورونا (COVID-19) عن طريق وضع السياسات المناسبة والتنسيق، وإعداد فريق متخصص خبير بإدارة الازمات، وأن يتضمن شخصيات اقتصادية، ومالية، وتجارية، وإدارية جديدة مقتدرة  بعقلية إدارة الازمات، حيث توفر فرص حقيقية لاستدامة وانسيابية موارد الموازنة وصناديق السيادية والادخارية، وكفاءة في تعظيم الايرادات وتوليدها، وتوفير أوجه  التمويلات اللازمة،  والتطبيق السريع والعاجل. 

تتأثر الحكومات نفسها بشكل مباشر حيث يحتم التباعد الاجتماعي والاقتصادي، عليها استخدام أساليب وتكنولوجيا جديدة لمواصلة العمليات الأساسية المهمة- وفي الوقت نفسه، فإن إدارة آثار الأزمة على الخدمات العامة. وفي الوقت الذي سيعاد حتما تشكيل المؤسسات يتعين عليها تحقيق التوازن بين ضمان المساءلة على تدفق وإعادة توجيه التمويل والموارد الإضافية، وإنجاز أعمالها اليومية، كل هذا بدون التفريط في مبادئ نظم الحوكمة الرشيدة.

إن مواجهة جائحة كورونا تحتاج إلى حكومات عربية متحدية فعالة وشاملة وخاضعة للمساءلة. ولدفع جهود التصدي ومواجهة الازمة المالية بشكل حقيقي وواقعي، لا بد من أن تتسم بالسرعة والابتكار، والتجدد، والمرونة، والفعالية، والشفافية، والمساءلة، مما يستدعي ضرورة تبني  فرق متخصصة مالية خبيرة في قطاع الممارسات المالية والاقتصادية،  وتقييم القدرة التنافسية والابتكار في الإدارة المالية العليا الحكومية، وتقديم ورقة عمل لمناقشتها خلال اجتماعات معالجة الأزمة المالية بعنوان: «تعزيز القدرة المالية على الصمود أمام صدمات الكوارث والأزمات: الممارسات الجيدة والحدود المالية الدولية الجديدة». وتقدم مذكرة التقييم هذه في اجتماعات ممثلي وزارة المالية  ومجموعة الخبراء والاستشاريين ومحافظ  البنك المركزي في وقت لاحق . وهناك عدد متزايد من البلدان التي تعمل  على إعداد أدوات للحماية المالية وتقييم المخاطر المالية والاقتصادية الاسلامية الدولية، وسياسات للتخفيف من اضطرابات ميزان المالية العامة والميزانية عند وقوع الكوارث والازمات والقدرة على الصمود. كذلك،  كيفية التصرف والاستجابة للتطورات والمتغيرات في بيئة العمل وبناء نماذج عمل جديدة ومتجددة أكثر انسجاما مع واقع تحديات بيئة الأعمال ما بعد كورونا؛ لغرض تقوية نواحي المناعة في كيان المؤسسات الصغيرة والناشئة في المنطقة العربية، وتعزيز مقومات استمرارها ونموها في سوق العمل . 

 

العدد الثالث فايروس كورونا ، الشركات الصغيرة ، وباء ، سوق العمل ، الانتاج ،

مواضيع ذات صلة