مدونة الباحثة لطيفة المهدي شوقي


المعلم المغربي من صناعة الأجيال إلى مقارعة الآلام!

د. لطيفة المهدي شوقي | Dr.Latifa Elmehdi CHAOUKI


05/01/2024 القراءات: 762  



إن ما يتعرض له المدرس أو المعلم اليوم في بلدنا لا يمت بأي صلة لمفهوم الحكامة السياسية الرشيدة وللتدبير المعقلن لقطاعات تعتبر ركائزا في مجال التنمية، وخاصة البلدان التي في طور النمو أو تسعى للنمو وتحقيق التنمية المستدامة، يقول أمارتيا سين Amartya Sen الخبير في التنمية *إن فكرة التنمية في القرن 21 سوف تقوم على الذكاء أكثر مما على المادة، وعلى التعليم والمعرفة والمعرفة أكثر من الدم* مؤكدا على أن المجتمعات ستسير في طريق استدامة التنمية إذا ما سخرت قوتها ومجهودها في الميادين العلمية والفكرية والثقافية أكثر من تركيزها فقط على الجانب الاقتصادي والعسكري، ولعل قصده يتضح لنا جليا في تجربة التعليم في دولة اليابان، هذه الدولة التي كرست كل مواردها البشرية والمالية لتكوين المعلم والرقي بقطاع التعليم إلى مستوى رفيع، بحيث تخصص راتب مهم ومحفز جدا لمهنة التعليم مع تحفيزات مستمرة ودورات تكوينية غير منقطعة ترافق الأستاذ طوال حياته المهنية، والعجيب أن مهنة التعليم في اليابان تعرف منافسة حادة وإقبالا كبيرا من الشباب للقيمة التي يوليها البلد بهذا القطاع بالذات دون غيره، هاته الدولة التي عاشت إبادة نووية بالأمس القريب سنة 1946 لمدينتي هيروشيما وناكازاكي استطاعت جمع شملها وشتاتها بعد أن ركزت على قطاع التعليم واهتمت به وحفزت المعلم *صانع الأجيال* والذي بدوره سيصنع باقي الفئات من علماء وأطباء ومهندسين ورواد في جميع المجالات، نفس هاته الدولة هي من منحت المهدي المنجرة وسام الشمس المشرقة الوطني سنة 1986 بعدما اعتمدت أفكاره وأبحاثه ووظفتها لإصلاح قطاع التعليم وقطاع البحث العلمي واعتبرت هذا العالم الكبير نعمة منحت إليها من بلد لم يقدر فيه كما يجب، فكان من بين أفكاره التي اعتمدتها تخصيص ميزانية ضخمة لقطاع التعليم والبحث العلمي والتكوين المستمر على أعلى مستوى للمنتمين لهذا القطاع، فكان المهدي المنجرة رحمه الله من أكثر المشددين على ضرورة الاهتمام بالقطاعات التي تعتبر لبنة أساسية في المجتمع مثل ميدان التعليم باعتبار أن هذا الأخير هو من يمهد الطريق لتنمية باقي القطاعات وهو القائل في كتابه قيمة القيم : *إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فعليك : بهدم الأسرة ، هدم التعليم، إسقاط القدوات والمرجعيات......ولكي تهدم التعليم عليك بالمعلم لا تجعل له أي أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه* وهذا تماما ما يحدث في بلادنا منذ سنوات أهمل المعلم وهمش حتى أصبحت مهنة التعليم مهنة من لا مهنة له ولا طموح له، على اعتبار أنها أدنى مهنة، فتركبت هاته الثقافة في عقول الناشئة حتى أصبح المعلم ضحية سياسات حكومية متهورة وغير مسؤولة وكذلك ضحية جيل جاهل لا يعرف المعنى الأسمى لقيمة المعلم والمربي، همش المعلم على المستوى النفسي والعلمي والمادي فتحولت مهنة صناعة الأجيال إلى مهنة مقارعة الآلام.

ولقد غيب حتى الوازع الديني الحنيف في المعاملة مع المعلم، فقد كرم الإسلام المعلم وجعله في مرتبة سامية لكونه يعلم الناس الخير، واعتبرت رسالته أسمى رسالة بعد رسالة الأنبياء والرسل والعلماء لكونها توجه لأجيال بأكملها وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ) وقال ﷺ : (مُعلِّمُ الخيرِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ حتّى الحِيتانُ في البحارِ ). فقد نال هذا المقام لسمو رسالته ومكانته في الأرض.

وهنا اتفق الجميع على أن للمعلم مكانة رفيعة أساسية يجب تسخيرها لخدمة المجتمع وتربية الناشئة التي بدورها تحقق نموا في باقي المجالات. وندعو هنا للمقارنة بين ما سلف ذكره وبين ما يعيشه المعلم اليوم من معاناة وإجحاف، فكيف يمكن لدولة تسير نحو التنمية المستدامة ونحو مجابهة الدول الكبرى اقتصاديا وعلميا وسياسيا الخ أن تدرك غايتها وهي لا تولي أدنى عناية بقطاع التعليم عامة وبمهنة المعلم خاصة، ولا تضع إصلاح هذا القطاع وتسوية مشاكله من بين أولويايتها ؟


المعلم، السياسة، التنمية المستدامة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع