مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي


فضل ليلة القدر وعلاماتها الثّابتة في الشّرع

الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab


16/05/2020 القراءات: 3108   الملف المرفق


إنّ ليلة القدر خير اللّيالي على الإطلاق، و هي إحدى اللّيالي العظام التي اختصّ الله بها هذه الأمّة، وقد فضّلها الله -تعالى- على غيرها من اللّيالي؛ ففيها نزل القرآن، والعمل فيها كالعمل في ألف شهر ممّا سواها، وفيها ينزل جبريل -عليه السّلام- إلى الأرض، ومعه الملائكة الكرام إلى طلوع فجرها، كما في سورة القدر. وفيها تقدّر أعمال العباد الّتي تكون في ذلك العام، كما ورد في مطلع سورة الدّخان. وقد دلّت الأحاديث الصّحيحة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: أنّ هذه اللّيلة متنقّلة في العشر، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى اللّيالي، وقد تكون في ليلة تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع عند بعض أهل العلم. وقد كان النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يخصّ هذه اللّيالي بمزيد اجتهاد، قالت عائشة -رضي الله عنها-: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» رواه مسلم. وعنها -رضي الله عنها- أنّها قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» رواه مسلم. وَقَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: " قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ". رواه التّرمذي وقال: حديث حسن صحيح. ووردت علامات لليلة القدر، وسنذكر الصّحيحة منها، ونعرّج إلى ما لا يصحّ منها: العلامة الأولى: تكون السّماء فيها ساكنة صافية. العلامة الثّانية: لا يرمى فيها بنجم أي: لا ترى فيها الشّهب. العلامة الثّالثة: يكون الجوّ فيها معتدلاً؛ لا بارد ولا حارّ. العلامة الرّابعة: تخرج الشّمس في صبيحتها من غير شعاع، شبيهة بالقمر ليلة البدر. العلامة الخامسة: لا يخرج شيطانها حتّى يخرج فجرها. العلامة السّادسة: نزول المطر. والأدلّة على ثبوت هذه العلامات مايلي: (1) عَنْ زِرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، يَقُولُ: وَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ»، فَقَالَ أُبَيٌّ: «وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، وَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» رواه مسلم. (2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟» رواه مسلم. (3) حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في صحيح مسلم، وفيه: وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأُنْسِيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: مُطِرْنَا لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَوَجْهُهُ مُبْتَلٌّ طِينًا وَمَاءً. (4) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي كُنْتُ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ نُسِّيتُهَا، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا، لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فجرها" رواه أحمد في مسنده وابن حبّان في صحيحه. قال الألبانيّ وشعيب الأرنؤوط: صحيح بشواهده. (5) وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- "إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ لَا بَرْدَ فِيهَا، ولَا حَرَّ وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ " رواه أحمد. والحديث حسن بشواهده. قال بعض أهل العلم، كابن باز وغيره: قد ترى ليلة القدر بالعين لمن وفّقه الله -سبحانه وتعالى-، وذلك برؤية أماراتها، ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيمانًا واحتسابًا، فالمسلم ينبغي له أن يجتهد في تحرّيها في العشر الأواخر من رمضان كما أمر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ طلبًا للأجر والثّواب، فإذا صادف قيامه إيمانًا واحتسابًا هذه اللّيلة، نال أجرها وإن لم يعلمها. وهناك علامات شائعة بين النّاس، وذُكرت في بعض كتب أهل العلم، وهي لا تصحّ، ولا أصل لها في الشّرع، منها: (1) لا تنبح الكلاب فيها. (2) لا تنهق الحمير فيها. (3) إنّ الملائكة تسلّم على المسلمين فيها. (4) يصبح ماء البحر فيها عذبًا. (5) سقوط أوراق الأشجار فيها إلى الأرض، ثمّ تعود إلى أوضاعها. والله أعلم نسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم الصّيام والقيام، ويغفر لنا ويرحمنا ويعتق رقابنا ورقابكم ووالدينا ووالديكم من النّار.


القدر، علامات، فضيلة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع