رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب). (4)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
21/04/2022 القراءات: 2759
لطائف الآلوسي المفسر:
ظهرتْ من العلامة أبي الثناء الآلوسي المفسر في "روح المعاني" تعابير لطيفة:
ومن ذلك إطلاقُه على أدوات وحروف لا تعمل أنها: "سيف خطيب"، فالخطيبُ يحمل في بعض البلاد سيفًا ولكنه لا عمل له.
ومن ذلك قولُه في (4/ 323): «والمواقف يوم القيامة شتى، ويَسألُ السيدُ ذو الجلال عبادَهُ فيها عن مقاصد عديدة، فطوبى لمَنْ أخذَ بعضده السعدُ فأجاب بما يُنجيه».
وقوله في (9/ 42): «والأخبارُ المرفوعةُ والموقوفةُ في أمر الكواكب والسموات والأرض كثيرةٌ، وقد ذَكر الجلالُ السيوطي منها ما ذَكرَ في رسالةٍ ألَّفها في بيان "الهيئة السنية"، وإذا رصدتَّها رأيتَ أكثرَها مائلًا عن دائرة بروج القبول».
وقوله في (12/ 321): «ومن الغريب جدًّا ما حكاه النقاش والماوردي أن يوسف المذكور في هذه السورة من الجن بعثه الله تعالى رسولًا إليهم، نقله الجلالُ السيوطي في "الإتقان"، ولا يقبله مَنْ له أدنى إتقان...».
***
حرفٌ يبعث على تأليف كتاب:
قال ياقوت الحموي في مقدمة كتابه الجليل "معجم البدان" (1/ 10-11):
"وكان من أَول البواعث لجمع هذا الكتاب، أَنني سُئلتُ بَمرْو الشاهجان [في تركمانستان]، في سنة خمس عشرة وست مئة، في مجلس شيخنا الإِمام السعيد الشهيد فخر الدين أَبي المظفّر عبدالرحيم ابن الإِمام الحافظ تاج الإِسلام أَبي سعد عبدالكريم السَّمْعاني، تَغَمَّدَهما الله برحمته ورضوانه، -وقد فُعِل الدعاء إِن شاءَ الله-، عن حُباشَةَ اسم موضع جاءَ في الحديث النبويّ، وهو سوقٌ من أَسواق العرب في الجاهلية.
فقلت: أَرى أَنه حُباشَةُ بضم الحاء، قياسًا على أَصل هذه اللفظة في اللغة، لأَنّ الحُباشَةَ: الجماعة من الناس من قبائل شتى، وحبَشْتُ له حُباشَةً أَي جَمعت له شيئًا.
فانبرى لي رجلُ من المحدّثين، وقال: انما هو حَباشةُ بالفتح.
وصَمَّمَ على ذلك وكابَرَ، وجاهَرَ بالعنِادِ من غير حُجّة وناظَرَ، فأَردْتُ قطعَ الاحتجاج بالنّقْل، إذ لا مُعَوَّل في مثل هذا على اشتقاق ولا عَقْل، فاستعصى كَشْفُه في كتب غرائب الأَحاديث، ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بِمَرْوَ يومئذ، وكثرة وجودها في الوقوف، وسهولة تناولها، فلم أَظْفَر به إِلا بعد انقضاء ذلك الشَّغَب والمِراء، ويأْسٍ من وجوده ببَحْث واقتراء، فكان موافقًا -والحمد لله- لما قُلْتُه، ومَكيلًا بالصاع الذي كِلتُه، فأُلقَي حينئذ في رُوعي افتقارُ العالم إِلى كتاب في هذا الشأْن مضبوطًا، وبالإتقان وتصحيح الأَلفاظ بالتَّقييد مخطوطًا، ليكون في مثل هذه الظُّلمْة هاديًا، وإِلى ضَوءِ الصواب داعيًا، ونُبّهتُ على هذه الفضيلة النبيلة، وشُرِحَ صدري لنيل هذه المنقَبَة التي غفل عنها الأَولون، ولم يَهْتَدِ لها الغابرون.
يقول مَنْ تَقْرَعُ أسماعَهُ: كم تَركَ الأَولُ للآخر
وما أَحسنَ ما قال أبو عثمان: ليس على العلم أَضرُّ من قولهم: لم يَتْرُك الأَول للآخر شيئًا، فإنه يُفْتِرُ الهمة، ويُضْعِفُ المُنَّةَ، أَو نحو هذا القول.
على أَنه قد صنّفَ المتقدّمون في أسماء الأَماكن كتبًا وبهم اقتَدَينا، وبهم اهتَدَينا، وهي صنفان...".
***
قول محزن:
قالت الدكتورة لميس جابر في "ندوة ساقية الصاوي بالقاهرة": "كثيرون ليس لديهم صبر أن يمسكوا بكتاب ويرهقوا أذهانهم في قراءته، أو يبحثوا في السيرة، بل الأسهل لديهم مشاهدة مسلسل أو فيلم..." جريدة البيان، دبي (27/4/2008م).
***
نشرتْ علمًا كثيرًا:
هذه جملةٌ استوقفتني في ترجمة عالمة صالحة من المحدِّثين قالها الإمامُ المنذري، وأحببتُ نقل الترجمة كاملة، واستذكار جهود هذه المرأة الكريمة، وجهود والدها في تكوينها:
قال المنذري «التكملة لوفيات النقلة» (2/ 14):
«وفي ليلة الثامن من شهر ربيع الأول [سنة: 600] تُوفيت الشيخة الصالحة أم عبدالكريم فاطمة ابنة الشيخ الأجل الفاضل أبي الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي البلنسي، بالقاهرة، ودُفنتْ من الغد بسفح المقطم.
ومولدُها سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة.
أحضرَها والدُها بأصبهان أمَّ إبراهيم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية، وغيرها.
وأحضرَها ببغداد أبوي القاسم: هبة الله بن محمد بن الحصين، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأبا غالب أحمد بن الحسن ابن البناء.
وأسمعَها من نفسه، ومن أبي البركات يحيى بن عبدالرحمن بن حبيش الفارقي، وأبي القاسم هبة الله بن أحمد الحريري، وأبي المكارم أحمد بن عبدالباقي بن الحسن بن منازل، وأبي عبدالله يحيى بن الحسن ابن البناء، وأبي بكر أحمد بن ظفر بن أحمد المغازلي، وأبي منصور عبدالرحمن بن محمد القزاز، وأبي سعد أحمد بن محمد بن علي الزوزني، وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد ابن السمرقندي، وأبي البركات عبدالوهاب بن المبارك الأنماطي، وقاضي القضاة أبي بكر محمد بن القاسم بن المظفر ابن الشهرزوري، وأبي الحسن محمد بن أحمد بن صرما، وأبي منصور موهوب بن أحمد بن محمد ابن الجواليقي، وأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن علي ابن الأبنوسي، وأبوي الفضل: محمد بن عمر بن يوسف الفقيه، ومحمد بن ناصر الحافظ، والحافظة كريمة بنت الحافظ أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي المعروف بابن الخاضبة، وجماعة سواهم.
وأجاز لها جماعةٌ كبيرةٌ من البغداديين، والأصبهانيين، والخراسانيين، وغيرهم.
وحدَّثتْ بدمشق، والقاهرة بالكثير، سمعَ منها جماعةٌ من شيوخنا ورفقائنا، ولنا منها إجازة.
وبالغ والدُها -رحمه الله- في إفادتها حتى أسمعها الخبرَ الواحدَ من الشيخ الواحد ثلاث مرات، بكَّرَ بها وهي صغيرةٌ، ثم علتْ سنُّها والشيخ حيٌّ فأعاد لها سماعَه، ثم علتْ سنُّها والشيخ حيٌّ فأعاده لها، وبلَّغه اللهُ تعالى فيها ما قصدَه. ونشرتْ علمًا كثيرًا".
رحم الله فاطمةَ وأباها أبا الحسن، وجزاهما عن العلم والدين خير الجزاء.
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة