شهد الأدب العربي الحديث ظهور اتجاهات أدبية مختلفة تنوّعت بين التقليد والتجديد ,وقد
لا يُعدّ بعض هذا التجديد ابتكارًا أو ابداعًا ؛ إذ لا يتجاوز التجديد في الشكل والمظهر الذي لا
يَمسّ مضامين الأدب العربي القديم شيئًا .
وكان من بين النتاجات الأدبية ظهور كتاب (جنة الشوك ) في أربعينيات القرن الماضي
مُنَبِّهًا الدرس النقدي الحديث إلى قيمته الأدبية بين كتب الأدب والنقد .
وقد قيل قديمًا إن الأدب مرآة تصوّر الحياة ,وصورة صادقة جسًدها الأديب طه حسين في كتابه
المثير (جنة الشوك ) ليدل على أن للأدب القديم العتيق بالغ الأثرفي نفوس معاصريه .
ويقتضي المقام هنا تأكيد الرأي الذي ينسب إلى عميد الأدب العربي طه حسين فضل
الابتداع والإحياء والتجديد. فكان ذلك وازعًا قويًا حملنا على دراسة هذا الكتاب وتحليله .
فكم هي من مهمة عسيرة ؛ إذ نقتحم قضاءات طه حسين , ونكبد أنفسنا مجاوزة ذلك السور
العالي الذي يسمى (أدب عميد الأدب العربي) , وفكّ رموزه وشيفراته .
وإذا كان هناك من يرى أن عميد الأدب العربي قد سعى إلى أن يعرض أحد الفنون الأدبية
القديمة المُسمّى بـ «الإبيجراما» (النقش باليونانية). إلا أننا وجدنا في (جنة الشوك ) ضالة أخرى
تستوجب الوقف والتحليل والتمحيص ؛ ذلك أن دراستنا تهدف إلى :
1- تأصيل نشأة هذا الفن في الأدب العربي القديم ,وتوثيقه ,وتتبع مراحله الزمنية ,
وبيان أركانه وخصائصه الفنية .
2- بيان خصوصية هذا الفن عند طه حسين من خلال التحليل اللغوي والأسلوبي للكتاب .
3- بيان القيمة النقدية والأدبية لكتاب (جنة الشوك ) في الأدب العربي الحديث .
وقد جمعنا في دراستنا بين المنهج التأريخي الذي استلزم تأصيل نشأته التأريخية في الفصل
الأول منه ,والمنهج التحليلي في للنصوص الأدبية , ممّا اقتضى تقسيم فصول الدراسة على
ثلاثة فصول :
الفصل الأول : بحثنا فيه نشأة هذا الفن وأصوله التأريخية في الأدب العربي القديم والآداب
العالمية الأخرى الذي عُرِف بـ (الإبيجراما ) , وخصوصية نظمه شعرًا ونثرًا ,لننتقل الى
استخلاص أهم الخصائص الفنية التي ميّزت هذا الفن , وأركانه المكونة له وأهمها اعتماده
فن المحاورة , وبيان الموضوعات والأغراض التي تضمنتها مقطوعات هذا الفن , وعرض
الروافد التي استقى منها طه حسين في رفد كتابه بدءًا بالشاهد القرآني ,والحديث النبويّ
الشريف, والموروث العربي والأدب العالمي .
أما الفصل الثاني فقد تخصّص في الدراسة اللغوية لكتاب ( جنة الشوك ) وتضمن
تحليل البنية اللغويّة في مستوياتها الصرفية ,والنحوية ,والدلالية وما يتظافر فيه من عناصر
بلاغية.
ويختم الكتاب بالفصل الثالث الذي تضمن الدراسة الأسلوبية وهي قراءة ثانية للنص .