مدونة ا.م.د. حسن محمد سميان https://arid.my/0001-4018
مقاصد فريضة الزكاة ودورها في حل المشكلات المالية
ا.م.د. حسن محمد سميان | Dr.Hassan Mohammed Simyan
24/04/2022 القراءات: 3631
إن من مقاصد فريضة الزكاة وهي الفريضة المهمة التي تأتي في النصوص الشرعية قرينة فريضة الصلاة، ودور هذه الفريضة عظيم في حل المشكلات المالية لدى الفرد والمجتمع والدولة، وتأتي اهميتها كذلك من تعلقها بالمال الذي هو عصب الحياة، ولاهميته جاءت النصوص الشرعية مستفيضة في الحديث عنه وبيان دوره في حل المشكلات ، قال - عزَّ وجلَّ -:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. [التوبة: 103]
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ 24 لِلسَّائِلِ وَالْـمَحْرُومِ} [المعارج: 24 - 25].
{وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أُقاتِل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله، وَأنَّ مُحمداً رسول الله، ويقيموا الصَّلاة ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله». «ما نقص مالٌ من صدقة».
لقد فرض الله الزكاة وأحلَّ البيع، وحرَّم الربا من أجل الطُهر والبركة والنماء، وجعل إخراج زكاة أموالنا تمام إسلامنا.فالزكاة في ظاهرها النقصان وفي باطنها الزيادة المباركة، والعكس في الربا الذي ظاهره الزيادة وباطنه النقصان والخسران. فمِما لا شك فيه أنَّ الزكاة هي ثالث دعامة من دعائم الإسلام الخمس، وتُمثِّل الركن المالي والاجتماعي، وبها - مع التوحيد وإقامة الصَّلاة - يدخل المرء في جماعة المسلمين، ويستحق أُخوَّتهم والانتماء إليهم، كما قال - تعالى -: {فَإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]. فقد ورد في القرآن الكريم لفظ الصَّدقة بمعنى الزكاة؛ واللفظان متطابقان. فالقاعدة الأصولية هي أنَّه إذا ورد لفظ الصَّدقة وحده فيعني الزكاة لا غير، مثلما يُذكر لفظ الإسلام وحده ليعني الإيمان، وكما قال الإمام الماوردي: «الصَّدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق الاسم ويتَّفق المسمَّى». فالعُرف حَوَّل معنى الصدقة للتصدُّق بما تجود به النفس على المتسوِّلين، وعندها ارتبـط مفهوم الصدقة أو الزكاة لدى كثير من الناس بالتطوُّع والعمل الخيري لا بالإلزام والوجوب. فالصَّدقة شقيقة الصِّدق، وتعني تمام التصديق بلزوم مساواة الفعل البدني (كالصَّلاة والصوم) بالفـعل المـالـي الاجتـماعـي (الزكـاة) بالقول والاعتقاد، ولذلك لا يكفي التوحيد وحده، بل اجتماع الفعل والقول والاعتقاد كلُحمة للعقيدة السليمة. فالزكاة هي حق (لا إله إلا الله)، وتُمثِّل جسر التواصل وواسطة العقد لتأكيد هذا الارتباط من خضوعٍ بالعبودية لله، إلى اعترافٍ بفضل الله على عباده بما منحهم إيَّاه من أموال، والإحسان للآخرين بإيتاء الزكاة وجوباً وليس تفضُّلاً عليهم، كدليل للإيمان الصادق كما روى مسلم: «والصَّدقة برهان».
من جانب آخر تسعى الزكاة لربط الدين بالدولة عبر تحقيق التوازن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، والعكس ينتج عنه ضَنَك العيش والتضخُّم الاقتصادي الذي يعيشه المسلمون اليوم. فكما هو معلوم أنَّ الزكاة شُرعت في المدينة المنوَّرة بعد الشهادتين والصَّلاة والصيام قبل الحج والجهاد، بَيْد أنَّها فُرضت على الأنبياء والرسل وأُممهم قبل البعثة المُحمدية ومنهم: سيدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب وإسماعيل وعيسى - عليهم السلام - الَّذين دعوا للإسلام العام؛ إذ قال - تعالى - على لسـان المسـيح عيسـى ابن مريم في المهد: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31]. فجاء رسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي بُعث للعالمين كافةً بشيراً ونذيراً فقال: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أنَّ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً».
فنـجد في القرآن الكريم اقترانَ الأمر بإيتاء الزكاة بإقامة الصلاة في ثمانية وعشرين موضعاً. فالزكاة رغم أنَّها قرينة الصَّلاة؛ لكنَّها ليست عبادة كسائر الأُمور التعبُّدية التي لا تقبل القياس والاجتهاد؛ فهي عبادة مالية، وحقٌّ معلومٌ، وضريبة مقرَّرة، وجزء من النظام المالي والاجتماعي والاقتصادي للدولة. مع ذلك لا نجد الزكاة تنال الاهتمام المطلوب على مستوى الافراد والحكومات. فدوْر الزكاة مُهمَّش ومنغلق في مصالح وبيوت للزكاة أو منظمات خيرية أو صناديق لمعالجة الفقر، تفتقر لمقوِّمات الإدارة والرقابة الدقيقة.
فالأصل أن تتولى الدولة تحصيل الزكاة وتوزيعها في مصارفها الشرعية حتى نحظى بنصر الله كما استنبط العلماء من قوله - تعالى -: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ 40 الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 40 -41]. وجاء تأكيد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً لدور ولي الأمر لإنفاذ الزكاة بكـل تجـرُّد ومسؤولية، وجعلها جزءاً أصيـلاً لا يتجزأ من النـظام المـالي الاجتماعي للدولة؛ والدليل على ذلك حديث ابن عبـاس في الصَّحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعـث معـاذ بـن جبل إلى اليمن فقال له: «... فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُردُّ على فقرائهم... الحديث».
إذن فإن إقامة فريضة الزكاة غاية من غايات التمكين في الأرض؛ لأنَّ الزكاة تعود بالنفع الشامل على المجتمع والفرد؛ مع الأخذ في الحُسبان أنَّ الحزم تجاه كل مكلَّفٍ مُماطل تُعادِل بالمثل مدى صدق شفقتنا على الفقير المعوَز والمسكين المحروم، وكامل حرصنا على إطفاء نار الحقد والحسد تجاه الأغنياء، وبها نستحق رحمة الله كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156].
المقاصد، فريضة الزكاة، المشكلات المالية، مقاصد الزكاة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
https://arid.my/0001-4018
بارك الله جهودكم الطيبة التي تذكر فتشكر
وفيكم بارك الله استاذ محمد والشكر موصول لكم
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة