ما بين العلم الأرضي واللدني - تجربة الرقمنة الاجتماعية
زينب صلاح إبراهيم علام | Zinab Salah Ebrahem Alam
22/05/2021 القراءات: 1989
تخوف كروزويل Kurzweil في كتابه - عصر الآلات المفكرة ١٩٨٨م - من أن تقود الآلات الواقع البشري لهوة مظلمة يتم فيها التخلي عن الجهد والفكر الإنساني بالكلية وتحل الآلة فيه محل كل ما هو بشرى وعلى قول من قال بأن تميز الجنس البشري راجع لكونه الكائن المفكر أما وإن استطاعت الآلة القيام بهذا الدور فساعتها لن يكون للعنصر البشري نفس التأثير ولا نفس التمايز كما في السابق، وعلى قوله هذا فبالتأكيد سوف تتأثر كافة المجالات الحياتية من حولنا سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو المعرفي أو حتى السياسي، ولكن على مايبدو أنه قد تناسى شق آخر هو في الحقيقة أهم وأكثر غناً من قدرة الإنسان على التفكير العقلي المجرد، بل إن مجرد إعمال العقل في الموجودات من حولنا والبحث فيها عن أسرارها، وإيجاد الحلول للمشاكل النازلة... إلخ غير كاف في حد ذاته لفهم صورة الكون من حولنا بشكل كامل أو أضعف الإيمان بشكل مُرضي، إذ أن هناك ما يسمى بالعلم اللدني والمدد الرباني والفيوضات الإلٰهية، فمن غير الممكن أن يتمكن العنصر البشري من التعاطي والاسترسال في حياة مستقرة من دونه، فما نجهله عن هذا العالم أكبر بكثير مما ندركه عنه، فمهما حاولنا سبر أغواره ستبقى كثير من الحقائق عصية على الكشف، فمدركاتنا الحسية القاصرة لاتمتلك الإمكانات الكافية للإحاطة بها، وقد نعلم أن هذه الفتوح قد تتجلى لمسلم أو غيره، لكن كيف يُتخيل لآلة أن يتاح لها استقبال تلك النسمات النورانية، نعم قد تكون لأراء كروزويل Kurzweil، ومن وراءه بيل جويBill Joy، الذي قدم الأخير لكتابه الأول بمقاله تحت عنوان - لماذا لن يحتاج إلينا المستقبل - مصداقيتها ونسبة احتمالية الصيرورة إليها، فبالطبع كما هو معلوم من الدين بالضرورة أن القيامة لن تقوم إلا على شرار البشر - أعاذنا الله وإياكم - من أمثال الذين تمت الإشارة إليهم في تلك الكتابات بأنهم الفئة الأكثر تميزاً، والذين سوف يحظون بالتحكم في الآلات وبالتالي سوف يسعون بكافة الطرق للعمل على تقليل نسبة خصوبة الفئة المتبقية الأخرى من البشر لعدم حاجة العلم أو العمل إليهم، بل ما هو أسوء محاولات وسعى حثيث لإبادات جماعية لعل أمارات حدوثها غدت لا تُخْطِئُها العين خاصة في ظل جائحة كرونا الحادثة والتي أماطت اللثام عن كثير من خرافات التقدم الطبي، والدول العظمى القادرة على حماية مواطنيها، والبحث العلمي الفائق... إلخ حتى حصد هذا الوباء في أقل من عام حوالي ٨٤ مليون نسمة في هجمته الشرسة التي تكاد تكون دخلت كل بيت من بيوت تلك القرية العالمية (الكونية) الواحدة التي سبق وأن تناولها أيضا - مارشال ماكلوان - صاحب كتابي - الوسائل هي الرسائل، كوكبة جوتنبرج - لكن يبقى السؤال _ هل إن تمكنت الآلات من التفكير بدلاً عن الإنسان هل سيكون بإمكانها أيضا امتلاك الإرادة؟! بل هل ستتمكن من امتلاك الضمير؟!! إن أبجديات الكفاءة والفاعلية وأولويات العمل المتقن هو أن يتوافر في القائم عليه خصلتان القوة والأمانة، والقوة هاهنا بمعنى الجدارة أو ناصية العلم، أما الأمانة فهي تلك البوصلة الإنسانية التي تسير وفق منهج رباني يُمَكّنها من وضع الأمور في نصابها وليس أدل على هذا التخوف من وحشية العلم الغربي الذي يتصور القائمين عليه أن بإمكانهم العبث بكافة المخلوقات وعلى رأسها الإنسان وجيناته البشرية، وإستنساخ ما يتوهمون أنهم قادرون على نسخه وتركيبه وفق أهوائهم، فهم في نهاية الأمر وكما قال عنهم دكتور مصطفى محمود (رحمه الله) في كتابه - قراءة للمستقبل - أنهم في محاولاتهم لإستنساخ عقلية كأينشتين لن يخرج لهم سوى فرانكنشتين، أو مسيخ دجال - يُحيل أحلامهم تلك إلى كابوس مُعاش يتمنون الإفاقة منه ولو بالموت نفسه. عندما نقرأ عن التاريخ القريب لأوروبا وكيف أنها كانت حتى خمسينيات القرن الماضي لم تزل تتحلى بأخلقيات التمسك بالدين والتقاليد والقيم الأخلاقية السليمة حتى تَلقي - مارجريت نايت - أستاذة الفلسفة بإحدى الجامعات البريطانية حينئذ هذا الهجوم والجدل الذي قوبلت به من جراء تناولها لفكرة أن تحمل الأيام القادمة ما أسمته بـ - مبادئ أخلاقية دنيوية أو علمانية Morals whithout Religion - مُستمدة من حقائق الحياة الواقعية، وبين ما عليه الحال اليوم في بريطانيا على سبيل المثال يدعونا للتساؤل عن إن إذا كان التخلي عن الدين وكل ماهو لدني سماوي آت لا محالة في آخر الزمان فما هي السرعة التي يتحول فيها واقع البلاد الأكثر تديناً في العالم نحو هذا الدرك ؟ أو لنطرح السؤال بشكل آخر.. كيف يمكننا تأخير هذا التسارع بالعمل على رأب صدوع التخلص والتخلي عن الدين؟ لعل أحد هذه السبل يكون بقطع الطريق عن أولئك الذين يحترفون الدين لإبعاد الناس عنه...؛ فالدين أصبح لديهم مهنة يستخدمهم به أناس في خلفية المشهد لتشويهه وإظهاره بمظهر يُنفر أتباعه منه، وبعض أولئك المنفرين يفعل هذا عن جهل وتلك طامة أخرى لا بد معها من إعادة النظر للبحث عن وسائل غير تقليدية تجفف مستنقعات تلك الطفيليات الكريهة وتقطع شأفتهم. لابد من أن نخرج بتجربة الرقمنة الاجتماعية، وعصر الفضاءات المفتوحة لكل من هب ودب وظن أنه عن الطوق شب لِيُدلي بدلوه الطالح إلى جوار الصالح ، وسيادة ثقافة القطيع والمجتمع المكتفي بتلك المنصات المشوهة لإستقاء معارفه، لابد من أن يُغرس لدى العوام حقيقة أن المعرفة الحقيقية لا يتم إستقاؤها إلا من مصدرين يكمل كل منها الأخر الأول منهج رصين يؤخذ عن الثقات من العلماء وأصحاب الرأي المستنير بدعم من مؤسسات وسطية، والثاني من بين دفات الكتب المنتقاه بعناية والمتفق ما فيها و المنهج الرباني اللدني، ولا ينكرها العقل السليم، وللحديث بقية.
زينب علام
لدني - كروزويل - الرقمنة الاجتماعية - مارشال ماكلوان - بيل جوي BillJoy - مارجريت نايت .
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع