مدونة مصطفى عبد القادر حافظ فتح الله الشرقاوي
بلاغة العدول عن صيغة الجمع في الآية 125 من سورة البقرة
مصطفى عبد القادر حافظ فتح الله الشرقاوي | moustafa abdelkader hafez fath allah elsharkawy
30/06/2021 القراءات: 1611
في قوله سبحانه: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ (القرآن، 2: ١٢٥) وسياقه: الراكعين الساجدين، حيث جمع الطائف والعاكف جمع سلامة، وجمع الراكع والساجد جمع تكسير، تفننا في الكلام وبعدا عن تكرير الصيغة أكثر من مرة، كما أن الجمع السالم أقرب إلى لفظ الفعل-كونه اسم فاعل- بمنزلة يطوفون أي يجددون الطواف للإشعار بعلة تطهير البيت، بخلاف الركوع والسجود فإنه لا يلزم أن يكونا في البيت ولا عنده، وهذا يدل على الفرق بين الجمع السالم لصيغة اسم الفاعل وجمع التكسير من حيث الإشعار بالحدوث والتجدد (ابن عاشور، 1984) وهذا يبين الدقة في التعبير الباعث على العدول عن صيغة الجمع للتفريق بين الأفعال ومواضعها. أما من حيث الفاصلة التي تناسبت في مقطعها الطويل المغلق، بينما اختلف صوتها المنتهي بصوت القلقة، فالظاهر للوهلة الأولى أن العدول هنا لم يحقق تناسباً جمالياً للفاصلة، وأن اختلافها الصوتي أدى لذهاب تناسبها، لكن الباحث بعد التروي والتدقيق يرى أنه يشير إلى نظم بالغ الجمال، فإن التغير في صوت الفاصلة يبدو وكأنه فصل بين الفواصل المتناسبة المتتالية، كمثل علامة الترقيم (،) في قواعد الكتابة، فمثلاً الآيات (111- 119) كلها تنتهي بصوت متناسب ثم تأتي الآية (120) تنتهي بصوت مختلف، ثم ترجع الآيات (121- 124) إلى تناسب صوت الفاصلة، ثم تتغير في الآيتين (125-126)، ثم يعود التناسب في الآيات (128-147) ثم تأتي الآية (148) بصوت مختلف، وفي هذا كله يبقى مقطع الفاصلة الطويل المغلق cvvc محافظاً على قدر من التناسب الصوتي بين جميع الآيات، وتكون الآيات المتناسبة في صوتها كلها تنتهي بالنون والميم، والآيات التي تفصل بينها تنتهي بالدال والراء، فيكون التنوع الصوتي دافعاً للسآمة، والتناسب المقطعي محافظاً على انتظام تناسب الفواصل. هكذا يبدو للباحث كيف كان العدول عن صيغة الجمع في الآية 125 من سورة البقرة مؤدياً للوظيفتين: الوظيفة الدلالية بالإشارة إلى التوسع في مكان الركوع والسجود، وعدم قصره على البيت بخلاف الطواف والاعتكاف، كما حافظ على الوظيفة الجمالية من خلال تناسب الفاصلة في مقطعها الطويل المغلق، وناسب بصوت القلقلة في الدال الإنفجارية السياق الخاص بالآية، التي تُعرّض بمشركي مكة الذين يدّعون اتباع إبراهيم عليه السلام، ثم هم ينجسون البيت الطاهر بأصنامهم وشركهم وعريهم في الطواف، إذ المراد من تطهير البيت التطهير بجانبيه المحسوس والمعنوي، بحيث يطهر من الأوساخ والقاذروات، كما يبعد عنه ما لا يليق بالقصد من بنائه من الأصنام، والأفعال المنافية للحق كالعدوان والفسوق، والمنافية للمروءة كطواف الرجال والنساء عرايا، وفي هذا تعريض بأن المشركين ليسوا أهلا لعمارة المسجد الحرام؛ لأنهم لم يطهروه مما يجب تطهيره منه (ابن عاشور، 1984)، فكما أن الآية زلزلت البنيان العقدي للمشركين، جاءت الفاصلة معبرة عن ذلك بصوت القلقة المتناسب معها. من بحث الدكتوراه (أثر الفاصلة على تغير السياق اللغوي للقرآن من حيث الحذف والزيادة والعدول)
الفاصلة العدول اللغة القرآن
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة