مدونة د. محمد فكري فتحي صادق


اللغة العربية ... هوية أمة

د. محمد فكري فتحي صادق | Dr. Mohammed Fekri Fathi Sadeq


12/05/2023 القراءات: 1989  


الهوية
بدء ذي بدء لا يمكن الرفض التام لرغبة المجتمعات العربية في مواكبة التحولات المتسارعة في كافة المجالات وخاصة المجال التعليمي ومؤسساته المتنوعة، لذا سعت الحكومات لوضع خطط تربوية واستراتيجية هدفها النهوض بالتعليم وتوفير بيئة تربوية هدفها مخرجات تعليمية تمتلك المهارات اللازمة للالتحاق بسوق العمل دون المساس بهويتها الدينية والوطنية واللغوية، لكونها الأساس لبناء الأمم، بل والضامن لتلاحمها الفكري والثقافي.
وعلى الرغم من ذلك، نجد البعض من أصحاب القرار يطلقون تصريحات برغبتهم في تدريس الانجليزية أو الفرنسية بالمراحل الأولي، وهذا ليس بأمرِ قابل للمعارضة إلا في حالة واحدة الاهتمام بها على حساب اللغة العربية، ونصابها المُخصص لها، والذى لا تلتزم به بعض المؤسسات التعليمية ذات المناهج الدولية لصالح اللغات الأجنبية ، مما قد يشكل فقدان للهوية الثقافية والوطنية ومن قبلها الدينية لدى طلابها، وقس على ذلك الكثير. وبما أن اللغة العربية هي حجز الزاوية، وهى الداعم الأول في مخرجاتٍ تحقق الأمن القومي للوطن، جاء عامل اللغة أحد العوامل المؤثرة في العديد من الدراسات المقارنة في التربية، لذا فكان الاهتمام باللغة الأم.
وبناءً على ذلك فالجميع ، ليس لديه معضلة في تدريس وتعليم اللغات الأخرى بالمؤسسات التعليمية قبل الجامعية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الإجابة على العديد من التساؤلات، منها: في أي مرحلة يتم تدريسها؟ وما الفرق بين تعلم اللغة والتعليم بها؟ والوقت المُخصص لها؟ تلك التساؤلات التي يقف أمامها المتخصصون ما بين مؤيد ومعارض، لما لها من آثار سلبية على هويتنا العربية والثقافية والدينية. وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي تناولت هذه النقاط إلا أنني وجدت دراسة ماجستير بعنوان " واقع اللغة العربية في المدارس العالمية وأثرها في الهوية الثقافية لطلاب المرحلة الثانوية في مدينة جدة" للباحثة أروى إبراهيم جليدان والتي تم مناقشتها 2020م، هدفت إلى التعرف على واقع اللغة العربية في المدارس العالمية الثانوية بمدينة جدة من وجهة نظر معلميها، ومدى ومدي ارتباطها بالهوية الثقافية للطلبة من خلال ثلاثة محاور: اللغوي، الوطني، والديني. وقد استخدمت المنهج المختلط، وتكونت عينتها من ۹ معلمين طبقت عليهم المقابلة الشخصية، و102 طالبًا لتعبئته الاستبانة، بمنهجية علمية رصينة، وتحليل علمي لاستجابات المفحوصين مؤكدةً على أن المشكلة ليست في التمازج الثقافي بين دولة وأخرى، إنما المشكلة الأساسية تكمن في تخصيص وقت واهتمام أكبر للغة على حساب اللغة الأم، خاصة في التعليم العام، ولما له من آثار سلبية كثيرة على هوية أبنائها وفكرهم، وعلى وحدة النسيج المجتمعي فيها، خاصة عند تهميش اللغة القومية (العربية) إلى أقصى الحدود، ورغم من مرور عامين على هذا الانتاج العلمي إلا أنها أشارت إلى مساوئ نجد صداها الأن على مستوى بعض الدول العربية.
وقد استعرضت الباحثة في دراستها العديد من الدراسات السابقة والتجارب الدولية من قبل بعض البلدان كخبراتٍ سابقة قامت بها من أجل الحفاظ على هويتها الثقافية والوطنية والدينية مثل: فرنسا وبريطانيا وأمريكا، بل أشارت لسعيهم في نشرها خارج حدودها الجغرافية ، إلا أن ما فعلته إسرائيل المحتلة كما ورد في متن الدراسة " كان التدريس في أوساط المهاجرين اليهود إلى فلسطين، يتم باللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإنجليزية حسب المنظمة التي تشرف عليه، ولكن الحركة الصهيونية اعترضت واعتبروا فيه ضربة لإحياء العبرية، وقاموا بعمل إضراب داخل المستوطنات اليهودية، حتى صدر قراراً عام 1914 يُلزم جميع المؤسسات بالتعليم باللغة العبرية".
وبنظرةٍ متأنية لنتائج الدراسة ذكر المعلمين العديد من الإيجابيات مثل: تنوع استراتيجيات التدريس والمحتوى المتلائم مع احتياجات الطلبة، لكنهم اتفقوا على ضعف مستواهم اللغوي، وعدم تناسب مستواهم القرائي والكتابي مع مرحلتهم الصفية، بتلك المدارس العالمية مُوطن الدراسة، وكشفت نتائج استجابات عينة الطلاب أن معظمهم يدركون أهمية لغتهم الأم وميلهم لتعلمها، وحب وطنهم بشكل إيجابي، لكن نسبة كبيرة تحلم بالهجرة. وأخرى تجهل العديد من المسائل الدينية، مما يوضح أثر تهميش اللغة العربية على الهوية الثقافية لديهم.
لاشك أن هذا النتائج وغيرها المساوئ التي يجب على القائمين على التعليم عامة وتدريس اللغة العربية مراعاة أبعادها والاطلاع على نتائج وتوصيات مثل هذه الدراسات قبل الشروع في إصدار قرار ينتج عنه الكثير من الأضرار بداية بضعف الولاء والانتماء للوطن مرورًا بالتهميش وضياع عنصر بشري يتحمل مسؤولية النهوض بالوطن.
لذا، ما نرجوه من وزراء التربية بالوطن العربي، وخاصة وزارة التربية والتعليم المصرية، العودة لخبراء التربية وباحثيها للوقوف على أليات التنفيذ والتطبيق قبل صدور قرار ينعكس بالسلب على الأم العربية.


اللغة العربية - الهوية الثقافية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


مقال ممتاز جزاك الله خير . مزيد من التقدم


تحياتى لكم دكتوره