مدونة رائد محمد حلس


مخاطر التسرب المالي على خزينة السلطة الفلسطينية

د. رائد محمد حلس | Dr-Raid Mohammed Helles


18/04/2022 القراءات: 3805  


يواجه الاقتصاد الفلسطيني وضعا هو الأسوأ على الإطلاق، بإجماع مؤسسات محلية ودولية، نتيجة تفاقم الأزمة المالية غير المسبوقة التي تعاني منها الخزينة العامة للسلطة الفلسطينية ومحدودية الخيارات والهوامش المتاحة لها لزيادة إيراداتها وتغطية عجز موازنتها المزمن، الأمر الذي يدفع باتجاه البحث عن الأسباب الكامنة وراء تفاقم الأزمة المالية والتي من بينها مشكلة التسرب المالي في الخزينة العامة للسلطة الفلسطينية.
ويرتبط التسرب المالي في خزينة السلطة الفلسطينية، بتحويل إيرادات ضريبة القيمة المضافة والتي تعرف بفاتورة المقاصّة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية ضمن آلية يشترط فيها إبراز فاتورة المقاصة كدليل على المعاملة. وتعاني هذه الآلية من العديد من أوجه القصور، ينبثق عنه عدة أشكال من التسرب المالي، نذكرها على النحو التالي:
- التزوير والتلاعب في فواتير المقاصة: ويشمل طباعة فواتير زائفة يتبادلها التجار، ولا يمكن تقديمها في جلسات المقاصة، إضافة إلى التلاعب بقيمة السلع لتقليل المستحقات الضريبية. ويقدّر البنك الدولي في تقريره للعام 2016 بأن الإفصاح الخاطئ، والتلاعب بالكميات في فواتير المقاصة يطال نحو ربع السلع والبضائع المستوردة من إسرائيل. والأهم من ذلك، هو لجوء بعض التجار الفلسطينيين لبيع فواتير المقاصة الزائفة لنظرائهم الإسرائيليين مقابل نسبة مئوية محددة، يحصل من خلالها الفلسطيني على مبلغ من المال، في حن يستفيد الإسرائيلي من خصم البضائع الواردة في الفاتورة المزيفة من مستحقات ضريبة القيمة المضافة. أما الخزينة الفلسطينية، فتخسر قيمة الضريبة المضافة لقاء هذه الفواتير. وقدرت إحدى الدراسات هذه القيمة بمبلغ وصل إلى 18 مليون شيكل في العام 1996.
- عدم تقديم فواتير المقاصة إلى مكاتب الضرائب الفلسطينية من قبل المورد الفلسطيني: حيث يتم دفع ضريبة القيمة المضافة على فواتير المشتريات من إسرائيل إلى التاجر الإسرائيلي، الذي يقوم بدوره بدفعها للخزينة الإسرائيلية، ولكن لا يتم تحويل الإيرادات إلى الخزينة الفلسطينية، من خال المقاصة لعدم وجود فاتورة (التي أخفاها التاجر الفلسطيني).
- التهرب من جميع أنواع الضرائب: بما فيها ضريبة القيمة المضافة وأحياناً الرسوم الجمركية. وينتج عن حركة البضائع من إسرائيل أو المستوطنات إلى السوق الفلسطينية دون فواتير أو وثائق، في ظل سهولة اختراق الحدود بن الضفة الغربية و"إسرائيل"، أو على الأقل باتجاه السوق الفلسطينية، خسارة ضريبة القيمة المضافة للمنتجات الإسرائيلية، والرسوم الجمركية وضريبة الشراء للمنتجات غير إسرائيلية المنشأ.
- وهناك العديد من قنوات التسرب المالي من خزينة الدولة الفلسطينية ، منها: منظومة التشريعات المطبقة في فلسطين ذات الصلة بموضوع التسرب المالي قاصرة عن معالجة أسباب التسرب وغير قادرة على الاستجابة للمتغيرات والمستجدات الطارئة في مجال أساليب التهرب الضريبي والتهرب الجمركي. كما أن المؤسسات والأجهزة الرقابية والأمنية تعاني من ضعف الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية.، كما تحتل الخسائر التي تتكبدها الخزينة العامة بفعل قرصنة الاحتلال للأموال الفلسطينية القسم الأكبر من التسرب المالي حيث من المفترض أن يتم التعامل مع السلع المعاد تصديرها من "إسرائيل" كواردات من طرف ثالث تطبيقا لمبدأ بلد المنشأ، إلا أن "إسرائيل" تنتهك مبدأ ما يسمى ب" المقصد النهائي للاستهلاك" فتتعامل معها كأن الوجهة النهائية لها هي اسرائيل ، بسبب بروتوكول باريس أو بسبب عدم التزام الجانب الاسرائيلي، وبالنظر في قنوات التسرب المالي وبخاصة التسرب الخاص بالعلاقة مع "إسرائيل" بشكل كلي، وحصر الخسائر السنوية الناتجة عنه، فسنجد أن مجموع المبالغ المتسربة المستنبطة من بيانات وزارة المالية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة (تحديداً 2019 و 2020 ) تصل إلى نحو 509 مليون دولار سنويًا في المتوسط.
كما هناك تكاليف وخسائر اقتصادية إضافيّة لهذا التسرّب المالي، تتمثّل في الزيادة في الناتج المحلّي الإجمالي وزيادة نسبة التشغيل، والتي كان يمكن للاقتصاد الفلسطيني أنْ يحقّقها لو تمّ التخلص من هذا التسرّب المالي، أو لو تم تحويل هذه الإيرادات من الخزانة الإسرائيلية إلى الخزانة الفلسطينية، لا سيما وأن التقديرات تشير إلى أنّه لو تمّ منع هذا التسرّب وأمكن توفير هذه الإيرادات العامّة للسلطة الفلسطينيّة، لكان من الممكن أنْ يزيد الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 4%، وخلق ما يعادل 10000 فرصة عمل إضافية كل عام، هذا بالإضافة إلى أنّ هذا التسرّب المالي يزيد من هشاشة الوضع المالي للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، ويقلّل من قدرتها على التخطيط المالي والإنفاق على الموازنات التطويريّة، ويضع الاقتصاد كلّه في مرحلة نموّ حرجة لا يمكن الخروج منها.
وعليه لا بد اتخاذ خطوات للحدّ من التسرّب المالي، تبدأ وبشكل سريع بتمكين السلطة الوطنية الفلسطينيّة من الحصول على معلومات كاملة عن الاستيراد المباشر من إسرائيل، أو غير المباشر من خلال إسرائيل، والحصول على كافّة معلومات فواتير المقاصة في الوقت المحدّد، بالإضافة إلى تعزيز وتقوية الكوادر الضريبيّة والجمركيّة الفلسطينيّة للبحث عن السلع المهرّبة، بالإضافة إلى منح حوافز ضريبيّة لمن يسلّم فاتورة المقاصة.
ومن ثم حث السلطة الفلسطينية على العمل بشكلٍ جاد على إجراء تغييرات في اتفاق باريس لجعله منسجماً مع متطلّبات الاستقلال الاقتصادي والمالي، وإيجاد إطار سياسي أكثر توازناً وأكثر إنصافاً، يأخذ في الاعتبار التغيّرات الاقتصاديّة التي طرأت على الاقتصاد الفلسطيني منذ عام 1994.


التسرب المالي - الخزينة العامة - فاتورة المقاصة - السلطة الفلسطينية - الاقتصاد الفلسطيني


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع