مدونة د. ميثاق صادق محمود هزاع المليكي
مقصد العتق من النار في العشر الأواخر من رمضان
د.ميثاق صادق المليكي | Dr.Methaq sadeq Almuliki
12/05/2020 القراءات: 6521
بعد معرفة القصد من قوله صلى الله عليه وسلم (وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ) في مدونة سابقة وبَرز معناها بأن الله يستر العبد في الدنيا والأخرة ويصونه من النار، ولكن ذنوبه لا تزال موجودة في الصحيفة يستطيع أن يقرأها ويراها يوم القيامة ولا يعاقبه الله عليها، لأن الله غفرها وسترها له، وها نحن في رحاب أيام العتق من النار التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ) نعم.. نسمع الحديث في كل مكان وزمان وعلى مواقع التواصل، وقد تسأل بعض العوام أو الناس ما معنى العتق من النار ممكن يقول يا الله لا تدخلني النار، نعم جزء من الإجابة لكن عندما يكون المؤمن مدرك وفاهم للقصد وعارف للنتائج وكيفية العبادة التي أُمر بها تكون العبادة أبلغ وأسمى وأرفع للعبد عند الله، قال صلى الله عليه وسلم ( أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ ) الطبراني، فلابد أن نتفقه ونفهم معنى العتق من النار وما الفرق بين قوله أوسطه مغفرة وأخره عتق، وكيف يعتق الله ويعفو عن عباده في العشر الأواخر من رمضان حتى يكون العبد مستحضرا ومدركا وفاهما لما يقوله عندما يدعو الله في العشر الأواخر من رمضان، فمن العيب أن يكون العبد يدعو بدعاء وهو لم يعرف مقصده ولم يعي كيفيته ونتائجه.
فالعتق يأتي بمعنى الإزالة ويأتي بمعنى العفو وكلمة الإزالة والعفو معناها واحد تقول العرب عفت الرياح الأثر أي أزالته، فما أحوجنا إلى إزالة الذنوب من صحائفنا التي سترها الله، وخاصة هذه الأيام.
والملاحظ أنه صلى الله عليه وسلم عبر بكلمة العتق ولم يقل آخره عفو من النار، فعندما سألته عائشة عن الدعاء الذي تدعو به في العشر الأواخر من رمضان، وبالأخص في ليلة القدر، فماذا رد عليها صلى الله عليه وسلم قال لها (قُولِى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى) الترمذي، إذا ما القصد من اختياره صلى الله عليه وسلم بالدعاء باسم الله (الْعَفْوَ) ولم يختار صلى الله عليه وسلم اسما أخر من تسعة وتسعين اسما؟ يبدو أن القصد من اختياره اسم الله (الْعَفْوَ) وبلا شك هو التالي:
القصد الأول: لكي يتضح بأن كلمة العفو مشابه لكلمة العتق فكما أن العتق هو إزالة العبودية من العبد، ويصير العبد يملك رضا سيده في كل شيء، فكذلك العفو هو إزالة ومحو الذنوب فيملك العبد رضا الله في كل شيء فما احوجنا لرضا ربنا، وما أحوجنا لإزالة الذنوب من صحائفنا حتى نخرج من رمضان وصحائفنا بيضاء، لا نملك أي ذنوب.
القصد الثاني: لإبراز الفرق بين المغفرة في وسط رمضان والعفو في أخر رمضان... فالعفو أبلغ وأشمل من المغفرة فالمغفرة ستر وتغطية للذنوب وعدم العقاب، لكن العتق والعفو في العشر الأواخر إزالة للذنوب ورضا وعطاء من الله بلا حدود، فهناك عبيد لله يتعامل الله معهم بالمغفرة وهناك عبيد لله يتعامل الله معهم بمرتبة العتق والعفو، فماذا تحب أن يتعامل معك الله؟ هل تحب أن يتعامل الله معك بمرتبة المغفرة أم بمرتبة العفو؟ لا شك أنك ستقول بمرتبة العفو فها هي أيام العتق والعفو بين يديك لا تغفل عن دعائه صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى) الترمذي.
القصد الثالث: لكي نتبع ما يحبه الله تعالى، والاتباع عبادة لله، فالنبي قال إن الله يحب العفو (تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى) فلم يقل تحب المغفرة أو التوبة أو غيرها بل قال (الْعَفْوَ) ومرتبة العفو مرتبة عالية وهي مرتبة بالرضا الرباني.
إذا كيف يعفو الله عن عباده الذنوب في العشر الأواخر من شهر رمضان؟
ينسيك الذنب تأتي يوم القيامة ولا تستطيع أن تذكر أي ذنب فعلته وتنسى أيضا جوارحك للذنوب ولا تستطيع أن تشهد عليك قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ يس: 65 وينسي الملائكة الذنوب قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ ق: 21 فلا تستطيع الملائكة أن تتذكر ذنوبك وتمحى الذنوب من صحيفة السيئات وينساها ملك الشمال وتأتي يوم القيامة لا يذكرك بها الله ولا يسألك عنها وكأنه سبحانه بعد العفو يقول لك أنت لم تفعل سيئات ولم تذنب أي ذنب فهذا هو العفو والعتق من النار في العشر الأواخر من رمضان.
اسمعْ ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَعْرِفُ. قَالَ فَإِنِّى قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا وَإِنِّى أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ) البخاري، هذه مغفرته سبحانه وتعالى لكن العفو يقول الله لك يوم القيامة يا فلان إني راض عنك لما فعلت في الدنيا قد رضيت عنك وعفوت عنك اذهب فدخل جنتي فمن عفا الله عنه يأتي يوم القيامة ويقول الله له تمنى يا عبدي واشتهي، فإني قد عفوت عنك فلن تتمنى شيئا إلا وقد أعطيتك منه يا فلان إني قد عفوت عنك اذهب إلى الجنة فخذ منها ما تشاء)
وفي الختام يتبين أن رمضان جعله الله ثلاثين يوما هبة منه يجزي به الصائمين يتهيؤوا في أوله لنيل رحمته وبعد التهيئة تحليه لستر الذنوب والصون من النار، وتكون في العشر الوسطى ومن ثم عفو وعتق ورضا وهو المقصد الأعظم من رمضان جعلني الله وإياكم من عتقائه من النار، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أله وسلم ... اللهم اجعلنا ممن شملهم عفوك يا أرحم الرحمين، والحمد لله رب العالمين.
المقاصد/ العتق من النار / رمضان المبارك
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة