تأويلية الرمز في الخطاب الصوفي الوعي و الممارسة
هيبة بوربعين | wahiba bourabaine
09/09/2021 القراءات: 2930
كان الرّمز أحد حلول إشكالية كبيرة واجهتها الظاهرة الصّوفية ، هي محاولة إيجاد الشكل التعبيري المناسب في إطار التجربة الذوقية ، فضلا عن الغموض وأسلوب الغزل ، والرمز عند الصّوفية هو التلميح إلى ما يريدون قوله ، ومن الرّمز الإشارة ، ومنه الاستعارة ، والكناية ، والتشبيه.
وبالرّمز تحفظ أسرارهم ، وتؤمن معانيهم وحقائقهم الجوهرية خوفا من أهل الظاهر أن يستبيحوا دماءهم ، فالتستر على طريقتهم أحد أهمّ الأسباب الّتي أدّت بهم إلى استخدام الرّمز. يقول (القشيري) : وهذه الطائفة مستعملون ألفاظا بينهم قصدوا بها الكشف ، لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب ، غيرة منهم على أسرارهم أن تشيع في غير أهلها .
التجربة الصّوفية تجربة بحث عن الأسرار الإلهية في الكون ، أسرار الحياة والموت ، والنفس والروح ، والعقل والقلب ، وهي تجربة مختلفة من صوفي إلى آخر ، لأنّها علاقة داخلية بين الذات الفردية للصوفي ، والذات الكلية للمطلق ، تجربة انعتاق من الأعراف ، وتجاوز للحدود ، يختبر فيها الصوفي الانفصال عن عالم الأرض والإنسان ، والاتّصال بعالم السماء.
والكون والوجود مجامع هائلة لرموز لا تنتهي ، وإشارات لا يحدّ غموضها ، وفي كلام الصّوفية الرّمز هو من الألفاظ المشكلة الجارية ومعناه باطن مخزون تحت كلام ظاهر لا يظفر به إلاّ أهله ، ويكاد الرّمز الصوفي يرادف الإشارة ، وهي ما يخفى عن المتكلّم كشفه بالعبارة للطافة معناه ، كما يرادف الإيماء وهو الإشارة .
إنّ اللّغة الصّوفية تتكوّن بعد استعدادات مسبقة هي (أذكار ، أوراد ، مجاهدات ، رياضات ، خطوات ...الخ) تؤدي هذه الاستعدادات إلى تكوّن (الذوق الصوفي) وهو مصطلح خاص بهم لا يخضع لمنطق العلم ، يدرجه المتصوّفة ضمن (علم الأحوال) ، يفهم من سياق المصطلح في مؤلفاتهم أنّه يعني (المعرفة ، الإدراك ، الفهم ، الحدسي) «فهو نور عرفاني يقذفه الحق في قلوب أوليائه »( ). والذّوق هو القاسم المشترك عند المتصوّفة ، وبالنتيجة هو القاسم المشترك في تكوين اللّغة /النص ، وينبه المتصوّفون قراءهم إلى فهم المسألة والدخول في التجربة كي لا يحجبوا عنه كنه مرادهم ، والذوق عندهم أوّل درجات الشرب، فيكون الأخير أوّل درجات التلقي/الاستقبال ، والسكر نتاج الشرب فيصبح السكر أوّل درجات الإرسال/الانفعال ، وهذه الحالة تؤدي إلى درجة أعلى من الذوق تسمّى (المعراج الصّوفي) « وهو عودة إلى البطون ، يقوم المتصوّف من خلاله بتحليل الأركان »( ). والمقصود منه رحلة داخل النفس لاستلام نتائج الذوق ، الشرب، السكر ، لأنّه استشراف للعالم تليه حالات أخرى متقدّمة هي (المحاضرة تليها المكاشفة تليها المشاهدة.
إذا كنت اللّغة هي الّتي تنشئ مفاهيمنا عن العالم؛ على حدّ تعبير (دريدا) فإنّ الصّوفي فجّر اللّغة باشتغاله على الرّمز منشئا مفاهيم عن العالم متغيّرة حسب درجة الذوق.
لقد جدّد الصّوفيون الرّمز ، وجعلوا منه طريقة فُضلى في التعبير ، وفي صياغة الصّور ، يقول بعض المتصوّفة : « لله عباد طور سيناهم ركبهم ، تكون رؤوسهم على ركبهم ، وهم في محال القرب ، فمن نبع له معين الحياة في ظلمة خلوته فماذا يصنع بدخول الظلمات ؟ ومن اندرجت له أطباق السماوات في طي شهوده ، ماذا يصنع بتقلّب طرفه في السماوات ؟ ومن جمعت أحداق بصيرته المتفرقات الكائنات ، ماذا يستفيد من طي الفلوات ؟ ومن خلص بخاصية فطرته إلى مجمع الأرواح ماذا تفيده زيارة الأشباح ».النص جامع لصور الرمزية، فـ (طور سيناهم ركبهم) كناية ترمز للصلاة والتواصل الدائم مع الله سبحانه وتعالى ، ومحال القرب رمز لأحوال الصوفيين ، ومعين الحياة رمز للأرض والسماء وموجوداتهما ومعارفهما ، والنصّ كلّه رمز لانكشاف الحقيقة للصوفي أثناء وصوله وشهوده ، ومجمع الأرواح رمز لعالم المعنى والأشباح رمز للمادة والجسم.
الرّمز
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
الله الله الله - اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم - أحسنت النشر دكتوره أحسن الله اليك والى والديك وكل عزيز لديك - اللهم أمييين --- لا يخلوا علم من العلوم أو ميدان بحثي أو علمي أو حرفي من أن تكون له مصطلحات خاصة به، تميزه عن ميادين أُخر، وقد أختط الصوفيون لأنفسهم طريقًا لغويًا يتمثل بمصطلحاتهم الكثيرة، وعباراتهم التى لايفهمها غيرهم من عامة الناس، وإنما يدركها من تبع منهجهم، وسلك مسلكهم، فالمراد بالمصطلح الصوفي هو الألفاظ التى جرت على ألسنة الصوفية من باب التواطؤ، إذ وجد الصوفية أن المصطلحات اللغوية قد لا تعبر عن المعاني الوجدانية التى تنتاب الصوفى فى تجربته الروحية الذوقية الوجدانية، فعبروا عن تلك المعاني، ومايختلج صدورهم من فيض وجداني بمصطلحات تعارفوا عليها.................... زينة جليل عبد،2011، ص 35