مدونة مهند عماد عبد الستار الزبيدي


الأبعاد القانونية لمفهوم الآداب العامة

الدكتور مُهند عماد عبد الستار | Dr- Mohannad Emad Abd ِAl-sattar


22/03/2023 القراءات: 884  


إن التطور الحاصل في عالَم المعلوماتية والاتصالات ولَّدَ منهجًا مؤثرًا على سلوكيات المجتمعات قاطبةً، ومن المعلوم فإن أيَّ تطور وفي أي مجال من مجالات الحياة لا يخلو من الآثار السلبية والآثار الايجابية وذلك على حدٍ سواء ، وإن التأثر سواء بالجانب السلبي أو الجانب الايجابي لذلك المنهج الوليد من رحم التطور الإلكتروني اعتمد بالدرجة الأساس على وعي المجتمع وأساسه الأخلاقي، فبعض المجتمعات وظفت البيئة المعلوماتية وتأثرت بمحاسنها من حيث رصدها لفعل الخير ونشر العمل النافع، والتعلم والتعليم، وبعض المجتمعات الأُخرى ساقها الجانب السلبي للمعلوماتية نحو الهاوية مما أنتج محتويات بفحوى قد عده الكثير من المراقبين والمختصين إخلالًا للأخلاق أو للنظام العام أو للآداب العامة، وهذا ما أُطلق عليه بالآونة الأخيرة: "بالمحتوى الهابط".

بعد الحملة التي قامت بها الجهات الأمنية وأعضاء الضبط القضائي لمُجابهة أو مُواجهة ما يسمى "بالمحتوى الهابط"، عن طريق توقيف أي فرد عراقي له شُهرة في مواقع التواصل الاجتماعي للتحقيق والتحقق معهم كونهم يقدمون محتوى إعلامي أو تمثيلي اعتادوا على المواضبة في نشره، فبعضهم إذ تم إحالة الكثير منهم إلى التحقيق والمحاكمة وإصدار بعض الأحكام من محاكم الجنح ضدهم، وبعضهم الآخر تم إطلاق صراحه لعدم تطابق المحتوى المُروج له مع نصوص القانون العقابية، ولا يسعنا في هذا المجال ذكر الأحكام أو ذكر الأفراد الذين لهم شهرة في مواقع التواصل الاجتماعي.

في حقيقة الأمر لو تمعنا في القواعد القانونية العقابية أو التنظيمية أو الوقائية فلا وجود لِما يُسمى بمصطلح "المحتوى الهابط" كونه مُصطلح دخيلًا على المنظومة القانونيَّة وليس له أساس من الصحة، بيد أن المقصود بالمحتوى الهابط هو أي فعل أو سلوك صادر عن شخص يُخالف في محتواه الآداب العامة لمجتمعٍ ما في حقبةٍ زمنيةٍ ما.

وبناءً على ذلك، فالمصطلح الأصح لتلك الأفعال التي نشاهدها في منصات التواصل الاجتماعي ما هي إلّا أفعالًا مُخلة بالآداب العامة أو الأصح هي الأفعال المُخلة بأخلاقيات المجتمع، التي أشارت إليها المادة (٤٠٢) من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ حسب التفسير القضائي الصادر من المحاكم العراقية.

الذي يهمنا في هذا المضمار -الذي أثار الرأي العام وأفراد المجتمع قاطبةً- تحديد المعيار القانوني لبعض الأفعال التي يتم تكييفها على أساس أنها وكما يسمى بالمحتوى الهابط الذي انتشر انتشارًا في الآونة الأخيرة كانتشار النار في الهشيم، فهل القانون حدد معيارًا لذلك ؟ أم أن الموضوع لم يُعالج قَطّ وتحديد معيار ما يخل بالآداب العامة مَتروكًا لأهوى الجهات الأمنية والسلطات القضائية؟؟

وبعد تمعننا مليًا في القواعد القانونيَّة لم نجد معيارًا يُحدد المعالم لمفهوم الآداب العامة، وإن الأخير يُقصد به: هو مجموع المعايير السلوكية المُعتمدة في مجتمع ووقت مُعين التي تُعد من المنظور الاجتماعي أساسًا في حفظ المنظومة الأخلاقية لأفراده الواجب الالتزام بها في نطاق علاقاتهم، كي تبقى هذه العلاقات سامية لئلا يُنتقص من كرامة الإنسان، وبالتالي فإن معيار الآداب العامة حصيل التراث الأخلاقي المؤطر بالضمير الاجتماعي، التي تختلف من مجتمع إلى مجتمعٍ آخر.

وبناءً على ما تقدم، فإن القانون في إيِّ دولة من دول العالم، لم يحدد إطارًا للآداب العامة، وإنما يعتمد تحديده وفق ما يخالفها أو يطابقها، وذلك على حسب التجدد الذي يطرأ على الموروثات الفكرية داخل المجتمع الواحد، فعلى سبيل المثال لا الحصر: المثليين أصبحت ثقافة يحميها القانون في بعض الدول الغربية وبالتالي فأن أفعالهم وسلوكياتهم باتت لا تشكل تهديدًا على الآداب العامة داخل تلك المجتمعات كونها ثقافة ذات أساس اجتماعي، بينما في العراق وفي الكثير من الدول الأخرى وباقي الدول الأسلامية تُعد سلوكياتهم تصرفًا مُشينًا ومُهينًا للآداب العامة، ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن تحديد المعايير التي يعتمدها مفهوم الآداب العامة يرتكز بالدرجة الأساس على توجه النظام الحاكم داخل الدولة والذي يقود بدوره إدارة شؤون أفراد المجتمع، ويختلف حسب التوجّهات من نظام اسلامي، علماني، رأسمالي، شيوعي… وهلمَّ جرَّا.


الآداب العامة الأخلاق القانون


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


أحسنت النشر، بارك الله جهودكم الطيبة