الموضوع- (سيل المواعظ)
الدكتور نايف بن ناصر المنصور | Naif naseer almansoor
01/12/2022 القراءات: 1908
مما ذكره الباري سبحانه في كتابه الكريم عن هذه الأمة قولُهُ تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، ومن هذا المنطلق يحرص الإنسان المسلم - رجلًا كان أو امرأة - على بذل النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويأتي هنا ما تُسمى بالموعظة، وقد عرَّفها البيضاوي بأنها: الخطابات المقنعة، والعِبر النافعة[1]، وعرَّفها ابن القيم بأنها: الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب[2]، فكانت الدعوة إلى الله عن طريق الترغيب والترهيب وإقناع الناس.
وقد كنا في السابق نشُدُّ الرِّحال من قطع المسافات لحضور درس في مسجد ما أو مركز ما، أو حضور محاضرة لعالم أو شيخ، ونخرج من هذه المحاضرة في تأثر كبير للموعظة المذكورة فيها، مما قد يكون نقطة تحول للمرء في مسيرة حياته، ووسيلة للرجوع والإنابة إلى الله تعالى، ويحصل عندنا التشوق الكبير لرؤية هذا العالم مرة أخرى؛ لنستفيدَ من سَمْتِهِ وعلمه، وكنا ندَّخر الأموال من المصروف اليومي لشراء الشريط لذلك الشيخ الداعية المؤثر، أما الآن مع توفر وسائل التقنية الحديثة من القنوات الفضائية إلى الأجهزة الذكية، ووجود مواقع التواصل الاجتماعي - أصبحت الموعظة تمر علينا بشكل كبير بهيئة السيل من كل اتجاه وصَوبٍ، ويدور المقطع الوعظي على الملايين من الناس في لحظات وجيزة؛ مما أفقدها قيمتها وتأثيرها، وجعل الناس يقومون بتمريرها للآخرين دون متابعة أو تمحيص، مما يتوجب على المختصين في مجال الدعوة النظر في المسألة، والبحث عن وسيلة، تقود الناس إلى التزام شرع الله، واختيار الزمان المناسب لذلك، وعدم إكثار رسائل الوعظ على الناس اقتداء بالسلف الصالح في تخوُّل الناس بالموعظة؛ فقد جاء في "صحيح البخاري" عن ابن مسعود قال: « كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام كراهةَ السآمة علينا ».
وكذلك نشر الجديد في الوعظ والتذكير، ومواكبة التطورات في العصر، وإعداد المادة المؤثرة حول المواضيع ذات الحساسية والمهمة في المجتمع، وبالأخص الفئة التي يقصدها الواعظ في وعظه ونصحه، وأن تكون الموعظة مناسبة لفهمهم وإدراكهم؛ فعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: سمعتُ عليًّا يقول: « حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟ »، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: « ما أنتَ بمُحَدِّث قومًا حديثًا لا تَبلُغُه عقُولهم، إلا كان لبعضهم فِتْنة »؛ [أخرجه مسلم]، وأن يتضمن هذا الوعظ اختيارَ أرق الجُمَل والتعبيرات، وألطف العبارات، في مخاطبة الآخرين؛ امتثالًا لقول الباري تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، هذه عبارات مختصرة، أسأل الله العلي القدير أن تجد طريقها إلى قلوب الداعين إلى الله.
مواعظ- سيل
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع