مدونة ناصر عبد الكريم الغزواني


أكذوبة الموت "تأملات واقعية"

ناصر عبد الكريم الغزواني- أستاذ مشارك | Nasser El Ghuzawany


19/06/2021 القراءات: 2701  


لماذا يخاف الإنسان من الموت؟ ويعترض "حتى لو داخليا" مع رحيل أقرب وأعز من لديه..بل قد لا يصدق أحيانا.....يراهم..يسمع أصواتهم.... يتخيلهم دوما في الحياة... يريد أن يخرجهم من قبورهم.... يتأمل حالهم في قبورهم ؟؟؟ يتساءل أحيانا؟؟ هل يفكروا فينا ؟ هل يفرحوا لفرحنا؟ يتألمون لألمنا؟ يشتاقون هم أيضا لسماع أصواتنا ورؤيتنا ؟ في البداية يحسم القرآن الكريم " الكتاب الإلهي الوحيد" هذه المسألة باعتباره كتاب يخبر عن الغيب ..فهو كتاب يفصل في المسائل الخاصة بالغيب بشكل عقلاني ومنطقي لايثير أي شكوك أو ريبة كما هو الحال في بعض المذاهب الدينية الإلهية المحرفة أو تلك الدينية من وضع البشر " مثل البوذية والطاوية والهندوسية". في سورة النحل هناك إشارة منطقية هامة جدا بخصوص الحياة والموت في سورة النحل الأية 70: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ- فالله عز وجل أوضح للبشر أنه خلقهم في زمن معين ثم يتوفاهم في زمن أخر... ولامناص عن ذلك.. فلا سبيل إلى الخلد أو البقاء في الحياة دون رحيل منها .. ولكن هنا: ماهو الأمر ؟ هل يكون شئ مرعب مرقدنا تحت الأرض لمدة معينة " أو للأبد كما يدعي البعض" ؟ هل ننعزل تماما عن مقاييس الزمان الحسية والمعنوية والقياسية؟؟؟ هل يكون الأمر مجرد عودة إلى التراب الذي أتينا منه؟؟؟ أم أن هذه التراب قد يجمع ذراته ومكوناته نحو خروجنا من تحت الأرض كما جئنا في المرة الأولى؟؟؟؟ يذكر أعز من قال في سورة الروم الأية 11 : اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. إذا هنا, فلماذا نشك ؟؟ إن شكنا بالبعث ورعبنا من الموت الذي ينهي مسيرة حياة معينة يقتضي أيضا أن نشك أن الله يخلق أو يبعث البعث الأول؟؟ وما البعث الثاني أو إعادة الخلق بأصعب أو أشق من الخلق الأول.قد تكون لمحة بسيطة بعد الوفاة ثم يجد الإنسان نفسه أمام يوما تشخص فيه الأبصار؟ في الأية 77 من سورة النحل نقرأ : وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فنحن عندما نرقد في الليل لانلبس أن نغمض أعيننا ثم نجد أنفسنا في وقت مختلف تماما وفي حالة مزاجية وبدنية أخرى ..ثم ننهض ونبدأ رحلة جديدة, كذلك تشير الأية السابقة إلى نفس المعني ... " خاصة إذا أدركنا وانتبهنا ما أشارت إليه السنة النبوية إلى أن النوم هو أخو الموت ", فتشير إلى أننا لانلبث أن نغمض أعيننا " ليس للأبد" ثم يأذن الله بأن تفتح ..ولكن ليس في يوم عادي نقوم بتناول طعام الافطار ثم نذهب للعمل أو للدراسة أو للسفر أو لزيارة الأصدقاء... ولكن في يوم تشخص فيه الأبصار... في يوم الحسرة والندامة.. في يوم يكون فيه الملك للواحد القهار... في يوم يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه ..لكل امرؤ منهم شأنا يغنيه. إذا , فهي غمضة عين تشبه تلك الغمضة المرتبطة بالنوم... لكن مع اختلاف المشهد... بعد غمضة النوم نكون بمفردنا تقريبا ..ولكن بعد غمضة الموت يحزن الأهل والأحباب يحملونا فوق الأعناق إلى مثوانا الأخير في الحياة الدنيا. ولكن هل تعتبر هزيمة لنا؟؟ هل يهزمنا الموت ويفرقنا من الأحباب والأصدقاء؟؟ هل يقضي على أمالنا في أن نكون ؟؟ إن الاجابة هنا تتوقف على تحديد طبيعة الموت بدقة؟ هل هو حقيقة أم اكذوبة؟؟؟ وللاجابة على ماسبق من تساؤل نحتاج قبلها أن نحدد بدقة كيف ومتى يكون الشئ حقيقي ومتى يكون العكس من ذلك؟ هل تحتاج النظرية إلى إقامة دليل وبرهان؟؟ أم أن الدليل هو الذي يهيأ لإقامة النظرية؟؟ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت-53). وضمن هذا السياق ينتقد أنتوني فلو في كتابه ( هناك إله) طريقة تفكير وتقييم البشر للأشياء قائلا: النظريات المسبقة تشكل الطريقة التي نرى بها الدليل بدلا من أن ندع الدليل يشكل نظرياتنا. إن الشئ يكون حقيقي عندا يكون خالد..والخالد وحده من يملك تحديد صلاحية الشئ وتقييمه والخالد هنا هو الإله الخالق...والموت لايمكن أن يكون خالد أنه ظاهرة خلقها الله عز وجل (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (تبارك-2). فالموت هنا (كما يوضح إبن كثير) أمر وجودي لأنه مخلوق. وقد قال العلماء : الموت ليس بعدم محض ولا دار فناء صرف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار. إذا, الموت ليس له سلطة مطلقة وهوحالة وجودية تتبعها حالات أخرى من مراحل مسيرة الخليقة, والموت هو "شئ موجود" وليس هو الواجد للمخلوقات, فهناك إستحالة أن يكون هو المسبب للخلق لأن أول مرحلة للخلق هى "الحياة", وحسب ذلك منطق سليم!. وبما أن الموت شئ غير خالد " من صفات الخلق" فلاينبغي أو يفترض أن يكون شئ دائم, ولم يجعل "الخالد الوحيد الخالق عز وجل" من صفات الأبدية والديمومة لخلقه سوى "للحياة الأبدية" كجزاء مستحق للأنبياء والصالحين الصديقين والشهداء. الخلاصة أن الموت هو إكذوبة كبيرة من إكذوبات الحياة بتصويره كحالة خاصة بفناء الإنسان, وهو وإن كان حقيقة مرتبطة بحياتنا ( وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين) إلا أن ذك لايفترض أن يكون هو حقيقة في حد ذاته ؟؟ فكل شئ خلا الله باطل وزائف ..فهو وحده عزوجل الحقيقة الوحيدة المرتبطة بحياتنا, وهو القاهر فوق عباده وصاحب الملك العزيز الجبار. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) المؤمنون


الموت- الحياة- الخلود- السلطة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع