الدكتور سعد سلمان المشهداني


المعنى الحقيقي لحرية الصحافة

أ.د سعد سلمان عبد الله المشهداني | Prof. Dr : Saad Salman Abdallah ALmishhdani


12/12/2019 القراءات: 4702  


لقد أثبت تاريخ الحضارات الإنسانية ان هناك علاقة قوية بين حرية الصحافة وحرية المجتمع ، وان الديمقراطية ترتبط ارتباطاً كبيراً بالمجتمع الديمقراطي الذي يحكم نفسه بنفسه. فكلما اتسعت الحرية اتسعت الديمقراطية والعكس صحيح ، وكلما زاد المجتمع انفتاحاً وتعددية كلما زادت أهمية الصحافة المهنية الحرة .
ولا شك ان الديمقراطية قطعت شوطاً بطيئاً في العراق لممارسة حقها في الوجود ليكون لكل فرد نطاقاً من الحرية يتنفس به ، لان المجتمع بحاجة الى بيئة نظيفة يتوفر فيها الماء والضوء والهواء فهو ليس دائما بحالة جيدة فكما انه يتماسك ويتقدم فهو أيضاً يتفكك ويتدهور والفرد الحر الواعي والمثقف هو الذي يستطيع ان يكشف قوانين الخلل والفساد في مجتمعه بهدف خدمة الصالح العام وليس بهدف الإساءة الشخصية للأفراد. ونحن كإعلاميين وصحفيين علينا ان لا ننسى ان مقابل الحرية هناك واجبات ومقابل الحقوق هناك مسؤوليات ومقابل التزامنا بالقوانين هناك ما يسمى بالأخلاقيات والتي هي ذات مبدأ نظري وتطبيقي يجب ان تطبق بكل حيادية وموضوعية ، إذ إنها مسألة فردية تتعلق بالضمير الإنساني الذي يختلف من فرد لآخر ، ومقابل الالتزام بمواثيق الشرف هناك ما يسمى بالشرف الإعلامي الذي يعني التزام الصحفي والإعلامي بمسؤولية المهنة الأخلاقية حيال مجتمعه وتوخي الأمانة والصدق في بسط الآراء والاحتفاظ بسرية المعلومات لإيجاد سياسة إعلامية بناءة.
وليس مفهوم الحرية ان نحقق أهدافنا وغاياتنا ومصالحنا فقط دون ان نتطلع الى أهداف ومصالح وغايات مجتمعنا ، وإنما الحرية الصحيحة ان نحقق الأهداف والمصالح من خلال انتمائنا الى مجتمع له مبادؤه وأهدافه ومنظومته الأخلاقية ، فالحرية واجب وحق ونظام ومسؤولية في آن واحد ولو تخيلنا أنفسنا إننا نتمتع بحرية إعلامية كالحرية التي تتمتع بها الدول الغربية ، فكيف سيكون المشهد الإعلامي؟ ماذا سنكتب؟ ولمن سنوجه كتاباتنا؟ وكيف سيكون مضمون الرسالة المقدمة؟ وهل يا ترى سننشر الديمقراطية والنقد البناء دون نشر الفوضى وتوجيه الإساءة للآخرين؟ هل ستتوقف أقلامنا عن نشر الفضائح والتدخل بخصوصيات الآخرين؟ وهل سيحترم الصحفي والإعلامي خصوصيات زميله وصديقه وقريبه؟ هل أقلامنا وصفحاتنا لن ترد الإساءة بالإساءة؟ وهل سنلتزم بالرقابة الذاتية؟ لماذا نهاجم الرقابة دائما وهل يوجد إعلام دون رقابة؟ ان الرقابة موجودة منذ القدم فرب الأسرة رقيب على أبنائه وربة الأسرة رقيبة على أطفالها ، والمعلمون هم الرقيب الأول على طلاب المدرسة ، والمسؤولون هم الرقيب الأول على موظفي المؤسسات الحكومية والأهلية ، ففي الدول المتقدمة نجد البنوك فيها شاشات مراقبة ، وفي المطارات شاشات مراقبة حتى في الأسواق والدكاكين الصغيرة هناك شاشات مراقبة ، هل يمكن ان يجري امتحان ما في أي مدرسة أو جامعة دون ان يكون هناك رقابة؟ حتماً سيكون هناك غش وفوضى ، وما المانع إذا كان هناك نوع من الرقابة في مهنة الصحافة والإعلام والتي هي أكثر التصاقاً بحياة الناس ومن أهم المهن التي تحرك الضمير الإنساني وتساعد الناس في اتخاذ قراراتهم.
وأنا أتساءل لماذا عندما نتحدث عن الحرية الصحفية نقارن أنفسنا دوماً بالمجتمعات الغربية؟ ولماذا تنقصنا دائما الثقة بأنفسنا ونعتبر الدول الغربية هي الأفضل في ممارسة الحرية الإعلامية؟ فهل السياسة الإعلامية التي انتهجتها الدول الغربية نعتبرها حرية؟ هل الخطابات الغربية عبر وسائل الإعلام الذي تضمنت القضاء على الإرهاب ، وممارسة التعذيب في سجن ابو غريب نعتبرها حرية؟ فهل هذه الأمور تجعلنا نثق بالإعلام الغربي ونصدق بأن هذه المجتمعات تتمتع بالحرية؟
أما عن عملية التعتيم والتضليل فيتساءل الكثير من الصحفيين والإعلاميين هل هذه العملية من أخلاقيات المهنة؟ واعتقد إنها أمر ايجابي وجيد في بعض الأحيان فهناك الكثير من الأمور والأخبار لا يمكن نشرها ، واذ سُمح بنشرها فيجب ان تنشر في الوقت المناسب لأنها قد تؤثر على النظام العام والامن القومي وعلى افراد المجتمع واستقرارهم لأنهم ليسوا على درجة واحدة من الفهم والمعرفة والثقافة والادراك والوعي. وفي هذه الحالة علينا ان نصطاد الطُعم الذي يلائم صيدنا. فعملية التعتيم والتضليل التي نعتبرها شيئا سلبياً على الدوام ، تمارسها المجتمعات الغربية اكثر مما تمارسها مجتمعات دول العالم الثالث. فعملية التعتيم والتضليل تختلف بمفهومها من دولة الى اخرى ومن نظام الى آخر ، فالدول الغربية تستخدمها بهدف تشويه صورة الشخصية العربية ولتخدم مصالحها الشخصية فقط مرفقة بهذه العملية الأكاذيب والخدع ، على خلاف الدول العربية التي تستخدمها لأجل المحافظة على النظام العام ووحدة وتماسك افراد المجتمع في معظم الاحيان. فإعلامنا العربي أكثر صدقاً وأكثر أخلاقاً من الإعلام الغربي.
ان الإعلام مرتبط بالتاريخ ومرتبط بالسياسة وبكل مجالات الحياة . فقبل ان نغرس في عقول طلاب الإعلام الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة المطالبة على الدوام بالحرية الصحفية والإعلامية وتشجيعهم على حمل الشعارات التي تنادي بحرية الرأي والتعبير ، يجب ان نعلمهم اولا معنى الحرية السليمة ، وقبل ان يتعلموا ان الرقابة شيء سلبي يجب التخلص منه ، عليهم ان يتعلموا المعنى الحقيقي للرقابة الذاتية وقبل ان يقتنعوا بأن الإعلام الغربي يتمتع بحرية أكثر من دول العالم الثالث علينا ان نكشف لهم حقائق هذا الإعلام وان نعريه أمامهم ، وقبل ان يتخرجوا من الجامعة ويطالبوا بحقوقهم علينا ان نغرس فيهم مبدأ الولاء والانتماء للوطن ، وقبل ان يتعلموا الطيران عليهم ان يتعلموا أولاً الوقوف على الأرض. وان نغرس في أذهانهم الحكمة التي تقول (إذا لم تستطع أن تكون طريقاً فلتكن ممراً).


حرية الصحافة، اخلاقيات المهنة الصحفية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع