مدونة د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله


جهود علماء القراءات الصوتيَّة الجزء الثَّالث

د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله | D. Salem Mubarak mohammed ban obaidellah


13/09/2020 القراءات: 1386  


من القضايا الصوتيَّة التي اهتمَّ بها علماء القراءات القرآنيَّة: "الإسكان والتحريك"، إذ تختلف القراءات فيما بينها في إسكان عدد من الكلمات وتحريكها، فالإسكان لهجة تميم وأسد، والتحريك لهجة أهل الحجاز. ومنها: "الاختلاف في أصوات اللين القصيرة"؛ فأصوات اللين القصيرة في اللغة العربيَّة ثلاثة، هي: "الفتحة والكسرة والضمَّة" وأخفّ هذه الأصوات الفتحة، تليها الكسرة، فالضمَّة التي هي أثقلها، وتصوّر القراءات اختلاف اللهجات العربيَّة في استعمال هذه الأصوات، وهو اختلاف قد يكون في الفتح والكسر، أو في الفتح والضمَّ، أو في الكسر والضم، أو في كسر حرف المضارعة وعدمه. والفتح من سمات لهجة أهل الحجاز، ومنهم قريش، والفتح أخفّ أصوات اللين الثلاثة؛ لذا مال إليه الحجازيون سكان البيئة المتحضِّرة، أمَّا الضمّ فهو أثقل هذه الأصوات، وقد شاع في كلام القبائل ذات البيئة البدويَّة، ومنها تميم وأسد.
ومن القضايا الصوتيَّة التي اهتمَّ بها علماء القراءات القرآنيَّة: "أصوات الضمير"، فضمير المفرد المتكلِّم "أنا" اختلف القرَّاء العشرة في إثبات الألف في "أنا" وحذفها إذا أتى بعدها همزة مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة، فقراءة المدنيين الحجازيين مخالفة للهجة الفصحى، وهي لهجة الحجاز، فيما يتَّصل بضمير المفرد المتكلم " أنا "، وموافقة لهجة تميم. ومنها : " ياء المتكلِّم" فقد بحثوا في اختلافات القرّاء بشأنها من باب سمُّوه " مذاهبهم في ياءات القرَّاءة " رغم أنَّها تأتي أحيانا منصوبة المحل غير مضاف إليها، نحو : " إنِّي " ، " آتاني " ، وذلك على سبيل التجوُّز . وتعوَّدُوا كذلك أن يخصِّصوا بعد هذا الباب لمذاهبهم في " ياءات الزوائد " نحو: " إذا يسر " ، و "يوم يأتِ"، "الداع"، "دعان"، "يهدين". فيميل بعض القرّاء خاصَّة قرّاء البيئة الحجازيّة "نافع وابن كثير وأبو جعفر ومعهم أبو عمرو قارئ البصرة" إلى فتح ياء المتكلِّم في المواضع المُختلف على فتحها وإسكانها، ويميل الآخرون من قرَّاء البيئة العراقية إلى الإسكان.
ومن القضايا الصوتيَّة التي اهتمَّ بها علماء القراءات القرآنيَّة: "الإظهار والإدغام"، فالإدغام كان من خصائص اللهجات البدويَّة، في حين كان الإظهار من لهجات القبائل المتحضِّرة التي استقرَّت في الحجاز. ويعلل بعض الباحثين هذه الظاهرة تعليلًا اجتماعيًّا فيرون أنَّ القبائل البدويَّة تميل إلى السرعة في نطقها، وتلمُّس أيسر السبل فتدغم الأصوات بعضها في بعض وتسقط منها ما يمكن الاستغناء عنه دون إخلال بفهم السامع، أمَّا الحضري يعنى بتخيير لفظه، وحسن أدائه ويعمد إلى نطق كلِّ صوت دون تداخل بين الأصوات، فالمجهور يظلّ مجهورًا والمهموس يحافظ على همسه؛ لأنَّ من مظاهر التحضُّر اللباقة في القول، وحسن النطق، ومراعاة القواعد، وذلك هو ما شاع في البيئة الحجازيَّة على العموم، وفي مكَّة بصفة خاصة( في اللهجات العربيَّة / 132 ، 137).
ومن هذه القضايا الصوتيَّة التي تناولها علماء القراءات: "الفتح والإمالة"، فالإمالة من لهجات القبائل البدويَّة في حين كان الفتح من لهجات القبائل المتحضِّرة التي استوطنت الحجاز والتي لم تمل إلّا في مواضع قليلة. ويتَّفق المحدثون من الباحثين مع القدماء في تحديد فائدة الإمالة من الناحية الصوتيَّة. يقول ابن الجزري: ((وأمَّا فائدة الإمالة فهي سهولة اللفظ، وذلك أنَ اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة، والانحدار أخفّ على اللسان من الارتفاع، فلهذا أمال من أمال. وأمَّا من فتح فإنَّه راعى كون الفتح أمتن أو الأصل))( النشر في القراءات العشر 2/35. في اللهجات العربية : ص 67). ويقول الدكتور إبراهيم أنيس : " ولا شكَّ أنَّ الانتقال من الكسر إلى الفتح أو العكس يتطلَّب مجهودًا عضليًّا أكبر ممَّا لو انسجمت أصوات اللين بعضها مع بعض بأن تصبح متشابهة؛ لأن حركة الإمالة أقرب منها إلى الفتحة))( في اللهجات العربية /67). ويقول الدكتور عبده الراجحي: ((إنَّ أهل البادية يميلون في كلامهم إلى الاقتصاد في المجهود العضلي، والإمالة تحقّق لهم ذلك بما فيها من انسجام بين الأصوات))( اللهجات العربية في القراءات القرآنيَّة /141).


القضايا الصوتية - الإسكان والتحريك - أصوات الضمير - الإظهار والإدغام - الفتح والإمالة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع