عنوان المقالة:دَعْوَى تأثير الحالة السِّياسيَّة في تصنِيف البخاريِّ لجامعِهِ الصَّحِيح - عرض ونقد - Claiming the influence of the political situation on Al-Bukhari’s classification of his Sahih Jami’ - Presentation and Criticism -
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: فقد كثرت الشبهات المعاصرة حول صحيح الإمام البخاري، وتنوَّعت أطروحات التيَّارات المعاصرة في نقد الجامع الصحيح، خاصة ما يكتبه الشيعة والحداثيُّون في هذا العصر قصد إسقاط هذا الكتاب من المكانة العالية التي يتمتَّعُ بها، ولعلَّ أبرزَ الأطروحات التي تحتاج إلى نقد وتمحيص، ووضعها في الميزان العلمي، هي الأطروحة التي جاء به المستشرقون ورَوَّجَّ لها الشيعة المعاصرون وأتباع التيار الحداثي، والتي مفادها أنَّ صحيح البخاري ليس عملا علميًا موضوعيًا، بل هو كتاب وُضِعَ تحت ضغط السلطة السياسية التي عاش البخاري تحت ظلِّهَا، وأن الحالة السياسية السائدة في عصر البخاري كان لها تأثير كبير في وضع هذا الكتاب، بل ذهب بعضهم بعيدًا حين صرَّح بأن الإمام البخاري ما هو إلا خادم مطيع للبلاط، وأنَّ اختياره للمتون والرجال الذين يخرِّج لهم في صحيحه خاضع للميول السياسية للسلطة الحاكمة، وبالتالي فصحيحُهُ الجامع يعبِّرُ عن أهواء ورغبات الخلفاء ولا يمثِّلُ سنَّة خاتم الأنبياء محمد .
والحقيقة أن هذه الدعوى خطيرة تمسُّ مصداقيةَ الجامع الصحيح، ومن شأنها أَنْ تهزَّ الثقة بالقيمة العلمية لهذا الكتاب لو ثَبَتَتْ هذه التهمة؛ لأنَّها تقضي على صحَّة هذا الكتاب جملة وتفصيلا، وهذا الذي يريده الحداثيون والشيعة المعاصرون، ليطرحوا بديلهم الجاهز في مقابل السنَّة النبوية، فأمَّا الشيعة فيطرحون سنَّة أهل البيت كبديل عن صحيح البخاري، وأما الحداثيون فيطرحون العقل وأهواء الإنسان بديلًا عن السنة النبوية، للتحرُّر من قيود النصوص والانفتاح على مفرزات الحضارة الغربية.
من أجل هذا توجَّهَ البحث في هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على تاريخ تدوين صحيح البخاري ومدى تأثير الحالة السياسية في تصنيفه، وعلاقة الإمام البخاري بالسلطة الحاكمة في زمانه.
نبيل بلهي | Nabil Belhay | 1745