مدونة مسعد عامر سيدون المهري


تأملات بلاغية في سورة الماعون

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


1/26/2024 القراءات: 883  


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد
فإن بلاغة الكتاب العزيز مما يجذب النفوس المؤمنة إلى رياضه، ومما يحدو بها نحو حياضه، وما زال أولوا العلم والأفهام ، والتدبير والاكرام، من العلماء العاملين، والمربين المخلصين، يردون حوضه فيغترفون من بحار أسلوبه، ويسري في قلوبهم تيار الملاحة والعذوبة، ونحن نأمل في هذه السطور السير على خطاهم ، والتشبه بهم وان لم نعد في حصاهم.
وبين أيدينا سورة من قصار السور، مما نزل في العهد المكي ويتجه فيها الخطاب الإلهي إلى مشركي قريش، واول ما استوقفتني هذه السورة في معانيها الجليلة وتدبر مراميها العظيمة، ما قراته في صدر الشباب من كتاب بعنوان "السلوك الاسلامي في الاسلام" وهو كتاب ناقش فيه مؤلفه ما يتعلق بالأخلاق التي دعا إليها الاسلام وهذا الربط العظيم بين التحذير من التكذيب في ثوابت العقيدة، والسلوك المشين الذي يفقد صاحبه الرحمة، وينزعها من قلبه، ويكرس في نفسه المظلمة كل معاني الأنانية والبخل والشح.
تبدأ هذه السورة المباركة بأسلوب إنشائي جميل، في لغة هادئة وخطاب رحيم، يلفت وعي المخاطب، وهو هما بطبيعة الحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي عانى ما عاناه من أجل إيصال الحق إلينا من أذى المجرمين الكفرة ، ( أرأيت الذي يكذب بالدين) هذا الأسلوب التقريري الذي اكتسى بأسلوب الاستفهام الفخم، وإن نزل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام بردا وسلاما ورحمة لا حد لها ، ثم جاءت الآية التالية أكثر إيضاحا لهذا الكافر الذي لا يؤمن بيوم القيامة، فهو يتوغل في فساده في الارض، ومن معالم هذا الفساد، أنه ( فذلك الذي يدعّ اليتيم، ولا يخص على طعام المسكين) هنا جملتان خبريتان تضيفان معنى حقيقي وصورة قاتمة للمجرم الذي لا يكذب بيوم، وكأن فيهما إشارة إلى علة التكذيب، وعلاقتها المباشرة بالتكذيب والكفر، وان من يسلك المسلك المشين في الإجرام سهل عليه التكذيب والكفر بالدعوة التي تخرج الفرد والمجتمع من الجور والضيق إلى العدل والسعة، لأن القلوب حينها تتعلق بفاطرها وخالقها .
في المشهد الثالث وعيد شديد للمصلين، الذي هم عن صلاتهم ساهون، وهنا ضمير الفصل هم الذي يبرز المعنى ويجعل أولئك المصلين نصب المخاطب، ليراهم ويلمسهم بفكره وعقله، ثم ليتجنب أفعالهم .
ثم تفصل الآيات الأخيرة مشهد المصلين الذي يسهون عن الصلاة، عبر تتابع من الجمل الاسمية والفعلية التي تفيد ثبات الخصال الذميمة في هذا النوع من المصلين في قوله تعالى( الذين هم يراءون) وتصدير الجملة الفعلية ( ويمنعون الماعون ) لإفادة التجدد، وكأن المعنى والله اعلم استمر الخلق المشين ما دام الرياء هو المسيطر على الصلاة وهي عبادة تتطلب اخلاص وإتقان والتزام بوقتها وأركانها وشروطها ، وهذا مصداق لقوله تعالى( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ..)
خلاصة ما يمكن أن يقال إن الإشارات البلاغية في هذه السورة تكشف المعنى السياقي العملي، وتكشف عن ترابط حلقات الوعيد ما يتعلق بحق الرب تبارك وتعالى من عبادته والايمان بلقائه، والإحسان إلى خلقه، وتوطيد الطريق الموصل إليه .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.


البلاغة، القرآن ، الماعون


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع