مدونة أ.د.اخلاص باقر هاشم النجار


امكانية استفادة العراق من التجربة الماليزية لتنظيم ادخار الحج

اخلاص باقر هاشم النجار | Prof.Dr.Ikhlas Baqir Hashem Al-Najjar


12/7/2019 القراءات: 4394  


إن إيمان المسلم بفريضة الحج ليس قضية فلسفية مجرّدة بعيداً عن توجيه أنشطته وممارسته اليومية، ففي الإيمان بالعقيدة يتم ربط الفكرة بالعمل، والنية بالحركة والسلوك، فرغبة المسلم في إداء فريضة الحج تدفعه إلى التفكير بطريقة وكيفية الحصول على مبلغ السفر وبيع أغلى ما يملكه ، ونحن مسلمون مأمورون بالادخار والاستثمار لأنهما توجيه إلهي ، يعلم خير الإنسان ومصلحته في كل ما يأمره به من أوامر أو نواهي ، وتؤكد نظرية الإدخار في الاقتصاد الاسلامي على أن متغير الحج يحدد وينمي الإدخار العائلي، وهذا بدوره يؤدي الى زيادة الاستثمار في قطاع السياحة الدينية ، ومن ثم الى زيادة معدل النمو الاقتصادي في البلد ، اي ان هناك علاقة طردية ما بين متغير الحج وما بين الادخار العائلي ، وقد ضرب الله لنا مثلاً في كيفية تنظيم موارد البلاد وقت الرخاء ، بقوله تعالى : {{ قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون (47) }} سورة يوسف ، وهي من السلوكيات التي علمنا إياها إسلامنا الحنيف ، لأن الكثير من المسلمين اليوم بأمس الحاجة إلى الإدخار ، وتوظيف الأموال المدخرة ،لسد حاجات المجتمعات على شكل مشاريع استثمارية وقروض استهلاكية حسنه ، ومن المفيد التمييز ما بين الإدخار الذي دعا إليه الإسلام ورغب به وما بين الاكتناز، حيث أن الإدخار وسيلة من وسائل سد الحاجة للفرد والأسرة والمجتمع وتوفير السيولة المطلوبة للمصارف للاسلامية وإحتياط نقدي لمواجهة الأزمات المالية ، بينما الإكتناز هو عزل النقود عن دائرة النشاط الإقتصادي وتعطيلها ، قال الله تعالى :{{ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنـزون (34-35)}} سورة التوبة ، وتقوم فكرة صندوق ادخار الحج على أن من يرغب في أداء الفريضة يخصص جزءاً صغيراً من راتبه في هذا الصندوق، حيث يتم استثمار هذه الأموال ، وإذا ما بلغ ما أودعه الشخص حداً يكفي أداء الفريضة يسمح له بأدائها، وأن كثيرا من العائلات الماليزية تفتح حسابات في صندوق الحج منذ بداية ولادة الطفل ، تدفع كل شهر حتى تزيد أموال الطفل وتستثمر في القطاعات التجارية على وفق الضوابط الشرعية ، حيث يتم تدريب الحجاج الماليزيين على مناسك الحج نظريا وعملياً قبل ستة أشهر من موسم الحج حتى يقوموا بالعبادات بشكلها الصحيح ،وممارسة الشعائر حول مجسمات للكعبة وحجر سيدنا إسماعيل ومقام سيدنا إبراهيم ورمي الجمرات والمسعى ،وارتدائهم للملابس الخاصة بالحج حتى يألفوها ، فضلاً عن توفير علماء دين أكفاء لإلقاء المحاضرات عن الحج وكيفية أداء الشعائر ، وبعد انتهاء موسم الحج يُعقد مؤتمرا سنويا ، يتم فيه دعوة الحجاج وتكريمهم والتحاور معهم وأخذ انطباعاتهم ومشاعرهم ،وقد أعرب الكثير من العرب وأولهم المتحدثة عن مدى الإعجاب بالتنظيم الدقيق والإشراف المتميز من المسؤولين ، لجعل هذه الفريضة أكثر يسراً وأمناً.
أما في العراق فيتم تطبيق نظام القرعة لخمس سنوات على المتقدمين للحج كل بحسب محافظته وبحسب الفئات العمرية (60%) لكبار السن و(40%) للاعمار الاخرى ، بعد ان يتم استخراج حصة خاصة للامتيازات الحزبية والسياسية المتمثلة بذوي الشهداء والسجناء والسياسين في عهد النظام السابق ، من الحصة العامة المقرة للعراق من قبل المملكة العربية السعودية وبحسب التعداد السكاني،ناهيك عن المقاعد التجارية للحج التي ذاع صيتها في العراق، فقد ذهبت للحج في عام 2010 عبر نظام القرعة وشاهدت الكثير الكثير من الاخفاقات التنظيمية والتعليمية والتوعوية التي تقع مسؤوليتها على عاتق هيئة الحج والعمرة ، وبدأت بكتابة مشاهداتي اليومية لمعاناة الحاج العراقي ومقارنته بالحاج الماليزي على سبيل المثال ، دونتها كما رأيتها دونما اضافة أو تزويق ، ثم أخرجتها فيما بعد بإصدار كتاب رحلتي للحج مع إمكانية الاستفادة من التجربة الماليزية لتنظيم الادخار ، لما لاحظته من روعة ودقة التنظيم والتوعية لقافلة الحج الماليزية ، وتمنيت ان تسلك هيئة الحج العراقية هذه السبُل ليجد الحاج العراقي راحة الجسد والنفس وهدوء البال ، ولاسيما في محاكاة وتطبيق هذه التجربة من ألفها الى يائها ، وانشاء مصرف ادخار الحج العراقي واستثمار اموال الراغبين في الحج على غرار ما سائد في صندوق ادخار الحج الماليزي .
وعليه فأن التجربة الماليزية جديرة بالتأمل لأنها تتميز بكثير من الدروس التي من الممكن أن تأخذ بها وزارة الاوقاف في العراق لترتقي بعملها ، فعلى الرغم من الانفتاح الكبير لماليزيا على الخارج والاندماج في اقتصاديات العولمة ، فإنها تحتفظ بهامش كبير من الوطنية الاقتصادية ، وخلال نحو عشرين عاماً تبدلت الأمور في ماليزيا من بلد يعتمد بشكل أساس على تصدير المواد الأولية الزراعية إلى بلد مصدر للسلع الصناعية , وتم تصنيفها كوسيط مالي يقوم بتعبئة مدخرات الحجاج والمودعين الآخرين , وإستثمارها طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية ، كما فاز صندوق ادخار الحج بجائزة المصرف الإسلامي للتنمية في العمل المصرفي الإسلامي , فبرنامج صندوق الحج في تنمية الوعي الإدخاري في المجتمع بجميع فئاته بدءاً من تلاميذ المدارس تجربة تدعو للإعجاب والفخر وتستحق الإقتداء بها , ولاسيما على مستوى المؤسسات المصرفية الإسلامية الأخرى التي تفتقر إلى برامج خاصة موجهة إلى فئات المجتمع لتنمية السلوك الإدخاري على مستوى العالم الإسلامي ، ان صندوق الحج الماليزي تجربة فريدة في التدريب على المناسك ، وفي الإشراف على شؤون الحجاج وتعليمهم مناسك الحج،وليس هناك شك في أن تجربة ادخار الحج الماليزي ، تستحق التأمل والنظر فيها للإستفادة من خبراتها.


التجربة الماليزية ، مصرف ادخلر الحج ، تنظيم قوافل الحج


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع