مدونة د . ميلاس عبدالصمد


الطاقات المتجددة: حلم أخضر أم وهم سياسي؟ الصراع بين الابتكار والاعتماد على النفط

ميلاس عبدالصمد | MILLES ABDESSMAD


2/2/2025 القراءات: 4  


في عالم يبحث عن حلول مستدامة لأزماته البيئية والاقتصادية، أصبحت الطاقات المتجددة محور النقاشات العالمية. لكن هل هي حتمية تفرضها الظروف المناخية والاقتصادية، أم مجرد صراع من أجل البقاء في نظام طاقوي معقد؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن ننظر إلى الإمكانيات التي وصل إليها العالم اليوم، وكيفية استثمار هذه الموارد، وما هي التحديات التي تواجهها.
لقد حققت الطاقات المتجددة تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أصبحتا من أسرع مصادر الطاقة نموًا على مستوى العالم. تقنيات الألواح الشمسية وتوربينات الرياح تطورت بشكل كبير، مما أدى إلى انخفاض تكاليف الإنتاج وزيادة الكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض الدول في استغلال طاقة الأمواج والطاقة الحرارية الأرضية، مما يوسع من نطاق المصادر المتاحة. ومع ذلك، لا تزال هذه التكنولوجيات تواجه تحديات كبيرة، خاصة في مجال التخزين ونقل الطاقة، حيث إن عدم القدرة على تخزين الطاقة المتجددة بكفاءة يحد من اعتمادها الكلي.
على الرغم من التقدم التكنولوجي، فإن الاستثمارات العالمية في الطاقات المتجددة تتركز بشكل كبير في قطاعات معينة. الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تحظى بالجزء الأكبر من الاهتمام والتمويل، بينما يتم إهمال مصادر أخرى مثل الطاقة الحيوية والطاقة المائية الصغيرة، والتي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التنمية المستدامة. هذه المصادر المهملة غالبًا ما تكون أكثر ملاءمة للمناطق النائية والنامية، حيث يمكن أن توفر حلولًا طاقوية مستدامة دون الحاجة إلى بنية تحتية ضخمة.
ومع ذلك، فإن مردود بعض هذه القطاعات لا يزال ضعيفًا في تحقيق التنمية المستدامة. على سبيل المثال، الطاقة الحيوية، التي تعتمد على تحويل الكتلة الحيوية إلى طاقة، تواجه انتقادات بسبب تأثيرها على الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي. كذلك، الطاقة المائية الكبيرة، على الرغم من كونها مصدرًا نظيفًا للطاقة، إلا أنها تتسبب في تغييرات بيئية كبيرة وتؤثر على المجتمعات المحلية. هذه التناقضات تظهر أن الطاقات المتجددة ليست حلًا سحريًا، بل تحتاج إلى إدارة دقيقة وتخطيط شامل.
في الوقت نفسه، نجد أن الدول المتقدمة، على الرغم من التزامها الظاهري بتنويع مصادر الطاقة، لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري. ففي أوروبا، على سبيل المثال، أدت حرب أوكرانيا إلى كشف مدى اعتماد القارة على الغاز الروسي، مما أظهر أن النفط والغاز ما زالا السلاح الاستراتيجي الأقوى في الصراعات العالمية. هذا الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري يطرح تساؤلات حول جدية الالتزام العالمي بالتحول إلى الطاقات المتجددة.
ومن الغريب أن أحدًا لم يفكر في استخدام الطاقات المتجددة كوقود لتدفئة المنازل في الشتاء، خاصة في المناطق الباردة. على الرغم من وجود تقنيات مثل المضخات الحرارية والتدفئة بالطاقة الشمسية، إلا أن الاعتماد على الغاز الطبيعي والنفط ما زال هو الخيار الأول. هذا يثير الشكوك حول ما إذا كانت الطاقات المتجددة تُستخدم كأداة سياسية أكثر من كونها حلًا عمليًا لأزمات الطاقة.
في النهاية، يبدو أن الطاقات المتجددة تواجه بطءًا في التطبيق على أرض الواقع. التحديات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية تعيق التحول السريع نحو نظام طاقوي أكثر استدامة. ومع ذلك، فإن الضغوط البيئية والمخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالوقود الأحفوري قد تجعل من الطاقات المتجددة حتمية لا مفر منها. لكن السؤال يبقى: هل سيتم تبنيها كحل حقيقي، أم ستستمر كلعبة سياسية في صراع البقاء؟


الطاقات المتجددة، التنمية المستدامة، الوقود الأحفوري، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الأمن الطاقوي.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع