عزوف الشباب عن الزواج بالمجتمعات العربية بين الواقع والتحديات
د. هجيرة هاشم | Dr. Hadjira Hachem
7/19/2024 القراءات: 2461
كلمة عزوف تعني عدم وجود رغبة وهذا ما يحتاج إيجاد الأسباب من وجهة نظر سوسيولوجية فما أسباب عزوف الشباب عن الزواج؟ لقد أصبح الشباب ينتظر أكثر فأكثر الدراسة، وإيجاد عمل قار ومسكن، قبل التفكير في الزواج الذي يمثل علامة من علامات الامتثالية الاجتماعية، ومن خلال دراسة ميدانية كشفت الأرقام أن نسبة النساء البالغة 57.6% تفوق نظيرتها عند الرجال التي تصل إلى 34.1% فقط. كما تبين أن 62.3% من الشباب المستجوب ترى في الاستقرار وتكوين أسرة أسبابا مشجعة، بينما ربطها 34.1% منهم بالواجب الديني. وعليه تساهم المبالغة الشديدة في وضع التوقعات والآمال غير المنطقية إلى بقاء الشخص عازباً لفترةٍ طويلة، حيث إنه يرسم في خياله مواصفات معينة لشريك حياته، ويستمر في البحث عن الشريك الذي تتوفر فيه هذه التوقعات كلها، وفي كثيرٍ من الأحيان قد يرفض التنازل أو التساهل عن إحدى هذه الرغبات، وبالتالي يجد صعوبةً بالغة في إيجاد الشريك المطابق بشكلٍ كامل لما يريد وهناك تظهر ظاهرة العزوف عن الزواج لدى الشباب بكلا فئتيه وعليه إن عزوف الشباب على الزواج قد يثير قلقًا في المجتمعات التقليدية، إلا أنه يجب علينا فهم هذه الظاهرة وتحليلها بشكل شامل. يمكن أن يكون هناك فوائد اجتماعية واقتصادية لتأجيل الزواج أو عدم الزواج، مثل زيادة فرص التعليم وتحسين المشاركة في سوق العمل. ومع ذلك، يجب على المجتمعات أيضًا التفكير في كيفية دعم الشباب وتوفير بيئة مشجعة للزواج لكن و من بين اهم اسباب عزوف الشباب على الزواج هي التغيرات الاجتماعية والثقافية. يعيش الشباب في مجتمعات متغيرة بسرعة، حيث يشهدون تحولات في القيم والمعتقدات التقليدية. قد يعتقد البعض أن الزواج يقيد حرية الفرد ويحد من فرص التعليم والتطور الشخصي والمهني. كما يعاني البعض من صعوبة في إيجاد شريك حياة مناسب يتوافق مع آمالهم وتطلعاتهم المستقبلية كما يرى البعض أن لهذا الارتفاع في سن الزواج قد يعود إلى عدة أسباب منها الاسباب الاقتصادية كالبطالة المنتشرة بين الشباب المثقف خاصة، وأزمة السكن الخانقة التي يعرفها المجتمع منذ سنوات على الرغم من الجهود الجبارة التي تقوم بها الدولة وذلك من خلال مختلف الصيغ إلا أنها لا تزال تشكل عائقا كبيرا أمام الشباب المقبل على الزواج،وتجدر الإشارة إلى أن العقود الماضية عرفت تغييرا مستمرا في الأجيال، لكنه تغيير طفيف لا يصل إلى مدى القطيعة عن الجيل السابق أو الاختلاف الجوهري معه. لكن الجيل الحالي، وجد نفسه في هوة كبيرة مع الجيل السابق، ساهم فيها بشكل كبير السرعة الغير طبيعية التي تعرفها التحولات المجتمعات، وكذلك مخلفات وسائل التواصل الاجتماعي التي حطمت الهوة بين الواقع المعاش والواقع الافتراضي، بين جيل يحلم في عالم الممكن المحدود بالواقع المعاش، وجيل يحلم في العالم الافتراضي الذي لا حدود له، لأنه عالم محكوم بالذكاء الاصطناعي الذي لا حدود له سوى قدرة الإنسان على الابداع والابتكار. نقول إن العزوف عن الزواج مرده بالأساس إلى عامل ثقافي لم يستطع الشباب المقبل على الزواج الحسم فيه. وليس مرده إلى الأوضاع الاجتماعية، وإلا كيف نفسر العزوف عن الزواج لدى الأطر التي لها دخل مادي مرتفع. إن الجيل الحالي يجد نفسه بين خيارين: خيار الانسجام مع السنن الكونية، وبداية حياته الزوجية بمستوى متواضع، يعمل على تطويره رفقة زوجته بشكل تدريجي. وهو الأمر الذي يكون مصدر إشاعة السعادة في البيت: فشراء شقة سبب للسعادة، وشراء سيارة سبب آخر للسعادة، واستبدال أثاث البيت سبب كذلك للسعادة، إنه خيار الزواج المبكر والاستمتاع بالحياة. وخيار ثاني يطمح إلى بداية الحياة الزوجية بكل متطلبات الشروط المجتمعية، في خرق سافر للسنن الكونية، فيجد الشاب نفسه في حالة من الملل والشعور بالروتين لأنه أدرك كل ما يحلم به في ظرف وجيز، فلم يعد يشعر بأي جديد في حياته الزوجية. وبالاخير نستخلص أن بقاء الإنسان عازباً يؤدي إلى زيادة فرصته في التعرض للأمراض الجسدية المختلفة وهذا بسبب فقدان الدعم الذي من اللازم أن يقدمه له شريك حياته؛ للتخفيف من ضغوطات وأعباء الحياة عليه، وهذا يعني أن الأشخاص المتزوجين يتمتعون بصحة أفضل من الأشخاص العازبين، ويرجع هذا كذلك إلى ميل الأشخاص غير المتزوجين لعيش حياة غير صحية في الكثير من الأحيان بسبب غياب الشخص الذي قد يهتم لصحتهم وبسبب غياب المسؤولية التي تلزمهم بالحفاظ على أنفسهم أصحاء.في الحقيقة إن مشكلة تأخر الزواج مشكلة كبيرة وهي نتاج طبيعـي لمـشاكل اجتماعية وتربوية وثقافية ولحل هذه المشكلة لابد من أن يهب جميع المعنيين للالتفاف عليها والقضاء على هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ككل. وخلاصة الموضوع أنه في زمن أجدادنا و آبائنا لم تشهد المجتمعات والعائلات عزوفا عن الزواج كما يشهده العالم بشكل واسع اليوم، الى أن أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد بنية المجتمع و تركيبته الاجتماعية، مما يؤدي الى إختلال توازن المجتمع، فتصبح بهذه معضلة تثقل كاهل مجتمعنا لنعلق بذلك أخطائنا على عاتق الوطن.
الشباب، عزوف ،الزواج، ظواهر اجتماعية، المجتمع ، التغيرات الاجتماعية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
اللهم وفقنا للخير دوما وابدا
اللهم انفع بنا الأمة الاسلامية إن شاء الله تعالى