الايجابيات المتحققة من العزلة الصحية التي فرضها فايروس كورونا المستجد
6/22/2020 القراءات: 2546
لا يخفى على أحد في ارجاء العالم ما تسبب به فايروس كورونا المستجد من عوارض سلبية بالغة الأثر في جميع المجالات. فضلا عن تعطيل الحياة بشكل شبه تام، والعزلة الصحية التي فرضها على مساحات كبيرة ضمت أكبر وأصغر دول العالم متقدمها ومتأخرها، وقد وقفت ما تسمى بالدول العظمى عاجزة عن إيجاد الحلول والدواء الشافي لهذا الفايروس بل وأعلن بعض منها انهيار النظام الصحي وخروج الامر عن السيطرة. فقد حملت هذه الجائحة الصحية الكثير من السلبيات التي تناقلتها وسائل الاعلام المختلفة في ارجاء العالم.
ولكن...لا يخلو أي حدث سلبي مهما كان حجم الضرر الناتج عنه من جانب يمكن ان نصفه بالمضيء نوعا ما مهما كان الضوء الذي يتخلل عتمته ضئيلا، ومن هذا المنطلق سأتطرق في هذه المقالة الى إيجابيات العزلة الصحية التي فرضها فايروس كورونا المستجد على العالم في محاولة لتسليط الضوء على تأثيره الإيجابي في عدد من المجالات.
إذ ما بدأنا بالجانب السياسي الذي يؤسس للعلاقات الدولية ويصنف الدول الى عظمى وكبرى ونامية. نجد ان التأثير الإيجابي الذي انعكس على هذا الجانب هو سيادة مبدأ التساوي فأغلب الدول التي تصف نفسها بالعظمى والكبرى وقفت عاجزة امام عدو لا يُرى بالعين المجردة، ومع ذلك هزم عظمتها وامكانياتها وتطورها التقني والطبي وفرض عليها العزلة التامة والنفير العام وتسخير الجزء الأكبر من الطاقات الطبية والاقتصادية لمواجهته؛ ومع ذلك أعلن عدد من تلك الدول انهيارا في النظام الصحي. فأصبح معلوما للجميع ان لا وجود لأكذوبة دول كبرى ومتقدمة ودول صغرى ومتخلفة. قد لا تبدو هذه المسالة إيجابية للكثير ولكنني أعدها من اهم الأمور الايجابية التي يمكن ان نلاحظها من خلال معطيات الواقع الصحي الذي فرضه الفايروس.
اما المسألة الثانية والتي لا تقل أهمية عن سابقتها في الواقع السياسي تتمثل في ضرورة الالتفات الجدي الى الخطأ الفادح الذي ترتكبه معظم دول العالم والذي يستهلك الحجم الأكبر من الموارد المادية لها والمتمثل في تسخير الموارد المالية الهائلة لإنتاج وتصدير واستيراد الأسلحة بكافة صنوفها، تلك الأسلحة التي دمرت وفتكت بالكثير من الشعوب والدول قد اثبتت عجزها امام هذه الجائحة الصحية. وكان من الممكن ان تسخر الدول تلك الموارد لتطوير قطاعاتها الصحية.
فيما يخص الجانب التعليمي والأكاديمي سلطت الجائحة الصحية المتمثلة بفايروس كورونا المستجد الضوء على ضرورة الاهتمام بالقطاع التعليمي والأكاديمي لمواجهة وتطويره الى مستوى يؤهله لمواجهة مثل هكذا حالات، ولا يغيب عن الكثير منا مدى الإهمال الذي يعانيه القطاع التعليمي في الكثير من الدول وفي الوطن العربي خاصة.
على صعيد الواقع الثقافي والإعلامي فقد ثبت وبالدليل القاطع ان ما كانت تروج له الدول من الاهتمام بطبقة الفنانين والبرامج غير ذات الفائدة التي تدعو لأنواع معينة من الفنون والمسابقات وغيرها، واحاطة هذا العالم بهالة كبيرة، وانفاق الكثير بل والكثير من مقدرات الدول المادية على هذا الجانب لم يؤت اكله في هذه المحنة الصحية التي عصفت بالعالم، بل كان أصحاب هذا المجال ابعد ما يكون عن إفادة المجتمع في هكذا ظرف، لذا كان من الاجدر ان تتجه الدول الى إنفاق تلك الموارد لدعم القطاعات التعليمية والصحية وتطوير البنى التحتية لتكون على استعداد تام لمواجهة أي خطر صحي ممكن ان يعترض تلك الدول.
وإذا ما عرجنا على الجانب الاجتماعي فإن من اهم الإيجابيات التي انعكست على هذا الجانب هو التجمع الاسري وإتاحة الفرصة للقطاع الوظيفي بشكل خاص للاجتماع مع العائلة واستثمار المزيد من الوقت لتلبية متطلبات العائلة والأطفال المادية والمعنوية. كما لا يمكن ان نغفل مسألة مهمة جدا تتمثل في إظهار متانة الواقع الاجتماعي لدول الشرق وتحديدا دولنا العربية والتي ظهرت جلية في مدى التكافل الاجتماعي الذي شهدته هذه المناطق متمثلة بالتعاون بين افراد المجتمع من خلال تقديم المساعدات المادية للفقراء والمحتاجين وأصحاب الدخل اليومي فضلا عن توزيع الاحتياجات الضرورية من غذاء ودواء. والمبادرات المجتمعية لدعم مثل هكذا نشاطات إيجابية. واعفاء المستأجرين للدور السكنية والمحلات التجارية من رسوم الايجار من قبل المالكين، وغيرها الكثير من صور التكافل والتساند الاجتماعي.
كما اتاحت هذه العزلة المجال الكافي للموظفين والأكاديميين لإكمال الاعمال والنشاطات المؤجلة سواء كانت على الصعيد الشخصي ام على صعيد النشاطات العلمية من كتابة البحوث والدراسات ونشرها. وقراءة بعض الكتب التي لم يتسنى قراءتها سابقا لضيق الوقت، كما كان لها الفضل في خوض تجربة التعليم الالكتروني التي كانت تشكل عند الكثيرين معضلة لا يمكن تجاوزها.
واذا ما تطرقنا الى الدور الإيجابي للجائحة على الصعيد الاقتصادي فإنه يتمثل في التنبيه إلى ضرورة تعزيز وتقوية القطاع الزراعي والصناعي والانتاجي للدول والذي أثبت أهميته ودوره في امداد المواطنين بما يحتاجونه من سلع غذائية اسهمت بشكل كبير في تخفيف وطأة محنة فايروس كورونا، فضلا عن إظهار مساوئ الاعتماد على المجال النفطي وحده في إيرادات الدول لما قد يتسبب به في الحالات الطارئة من انهيار في القطاع الاقتصادي للبلدان بسبب انهيار سعره بشكل كبير فيكون تأثيره على الدول المعتمدة عليه بصورة كبيرة في موازناتها السنوية كارثيا احيانا.
وفي الختام لا يمكن ان نعد هذه الجائحة بحد ذاتها نعمة من نعم الله، فهي في أولها واخرها تسببت في قتل العديد من الأشخاص الذين سقطوا جراء غياب الادوية المقاومة لها، والتي عجز عن ايجادها العلم الحديث لحد الان، كما ودفعت بعض الدول الى حافة الانهيار على صعيد قطاعي الاقتصاد والصحة، الا اننا من جانب اخر ومن خلال ما تقدم عرضنا الوجه الاخر لتأثيرات هذا الفايروس على مختلف الجوانب ومنها الجانب الاجتماعي، والذي نجد انه شكل حالة إيجابية للمجتمعات وتحديدا مجتمعاتنا العربية من خلال التكافل الاجتماعي وصور الايثار والتسابق فيما بين الأشخاص من اجل التقليل من وطأة هذه الجائحة على الطبقات المتعففة في مجتمعاتنا.
فايروس كورونا المستجد _ايجابيات العزلة _العزلة الصحية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
الدكتوره جمانة المحترمة: ان موضوعك يصب في صميم هذا الوضع المهيمن علينا من خلال الجائحة وماترتب عليها من امور مهمة كتوقف التعليم والعمل والسفر والتنقل،ـ ودخول العالم في حالة طوارئ، ولكن تعلمنا ان نخلق من المنا املا.. ومن ثم فان تحقيق العزلة الايجابية امر ضروري ولابد من تسليط الضوء عليه وهذا المقال جاء ليعطينا حافزا معنويا كبيرا نحو استغلال الوقت بشكل افضل وبشكل ايجابي ومنتج، لكي نخلق عملا متميزا من الناحية العلمية والاكاديمية.. شكرا لكم ..وتمنياتي بالتوفيق والنجاح الدائم
الدكتور زياد النعيمي المحترم...نعم هذا ماارومه من كتابة المقال... بث روح الايجابية... والنظر الى الجانب المشرق من الامور السلبية التي تمر بنا خلال مسيرتنا الدنيوية... شكرا جزيلا... بالتوفيق الدائم ان شاء الله استاذ الحقوق المتميز...