مدونة د سالم أحمد باوادي الحسني


غلمان عين التمر من الرق إلى السعادة.

د سالم أحمد باوادي الحسني | salem ahmed bawadi


3/20/2022 القراءات: 4532  


"غلمان عين التمر"
من الرق إلى السعادة
عين التمر, بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة, فتحها خالد ابن الوليد رضي الله عنه في سنة 12للهجرة, و بعد هذه المعركة التي انتصر فيها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد على نصارى العرب المتحالفين مع الفرس, دخل المسلمون الحصن ووجدوا في الكنيسة التي في الحصن أربعين غلاماً عليهم باب مغلق، فكسره خالد وسألهم عن حالهم فأجابوه بأنهم رهائن لدى أهل عين التمر فقسمهم خالد في أهل البلاد, فمنهم من أخذ غلامه ورباه, ومنهم من باعه على أهل مدينته, من هؤلاء الغلمان الذين وجدهم خالد في كنيسة عين التمر كان:
1. “سيرين”، وهو والد الفقيه التابعي الكبير محمد بن سيرين.
2. ومنهم حمران بن أبان الفارسي الفقيه الكبير مولى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
3. ومنهم الغلام “يسار” وهو جد (محمد ابن إسحاق) شيخ مؤرخي السيرة النبوية بلا منازع.
4. ومنهم الغلام “نصير”، وهو والد القائد الشهير فاتح الأندلس موسى بن نصير
5. ومنهم رباح أبو عبد الله وعبيد الله ابني رباح .
6. أما "يسار" والد الأمام حسن البصري كان من سبي "ميسان" التي فتحها المغيرة رضي الله عنه.
7. وكان سيعد بن جبير من الموالي وغيرهم كثير ممن تسيدوا في العلم .
في أي دين هذا؟! وفي أي ملة هذا يحدث؟ أي دين هذا الذي يجعل من أتي به السبي والرق عالما وحجة تضرب إليه أكباد الأبل؟! أي دين هذا , وأي رق هذا ؟! الذي يجعل من السبايا جهابذة من جهابذة العلم ومراجعه وسادته , ويخلدهم التاريخ إلى قيام الساعة, أي معنى للحرية هنا, إن لم تكن شرف العلم وحظوته وخلود الذكر, أي نوع من الرق هذا؟ الذي يقودك بالسلاسل إلى الجنة و فردوسها الأعلى. أي خير أراده الله لهؤلاء الغلمان حتى صارت ذرياتهم سادة التابعين, ما قيمة الحرية مقابل هذا؟ إن الرق الحقيقي هو سيطرة الشهوة والهوى على العقل والقيم الإنسانية.
المتفحص لواقع الرق, ونظام الرق في الإسلام, يجده نظاما يختلف بشكل كبير عنما كان عليه عند الأمم السابقة من الرومان والفرس وغيرهم, الرق في الإسلام نظام اجتماعي مختلف بشكل كامل, يقوم على الرحمة والأخوة الإيمانية, لا يقوم على الاستعباد, كما كان عند الأمم الأخرى, وقد جاء في النص عنه عليه الصلاة والسلام:(( ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي. وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي((البخاري. وهذا النهي فيه حماية لجانب التوحيد وكذلك حماية لإنسانية المملوك فلا يشعر الغلام والجارية بذل العبودية, وخاصة في حالة المخاطبة.
فمن التعسف الشنيع أن ينظر إلى نظام اجتماعي جاءت به الشرعية لتحقيق مصالح للعبادة, في تلك الحقبة التاريخية, بعيون واقع اليوم, فإن الرق لم يلغ في الإسلام بشكل قطعي, ولكن هذب ونظم, ثم تلاشى كأي ظاهرة اجتماعية تتلاشى عندما توجد ظروف معينة مساعدة على ذلك, وبما أوجده الإسلام من محفزات ساعدت على تلاشيه, لكننا لا نملك المستقبل, فلا يملك المستقبل إلا رب المستقبل, فمن الجهل بالسنن الاجتماعية وعلم الاجتماع الاعتقاد بخلود وضع اجتماعي معين, لأن المجتمعات تغيير وتتطور وتنتكس, فقد كان الرق يوما من الأيام حلا اجتماعيا, وكان في إقراره مصلحة للعباد , ففي ظروف معينة قد تتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة الذاتية, فقد أقرت الكنيسة في ألمانيا العودة الي نظام تعدد الزوجات، لم يتوقف الأمر عند تعدد الزوجات، بل حتى طلبوا من القساوسة تحت سن الستين بترك الاديرة والتوجه للزواج لتعويض النقص الهائل بعدد السكان بعد حرب 30عام في القرن السابع عشر, اقتضت الحاجة المجتمعية لذلك, فتقدمة المصلحة العامة على الخاصة. فالرق ليس مفسدة في جميع أحواله, لأن شريعة الله لا تقر المفسدة المحضة. ولكن واقعية هذا الدين الذي يسعى لتحقيق كل ما فيه نفع للناس, أقره بطريقة راقية جدا وفي ظروف محددة, ومع ذلك تتطلع الشرع للحد منه ووضع آليات لذلك , والتطبيق المعوج دائما ليس حجة على النظرية.
فنحن اليوم في العصر الحديث نعيش أنواع من الرق الحديث المهذب يسمى , بنظام الوظائف والتشغيل, هي في الأساس نوع من الرق الحديث المهذب, ومرت البشرية بعد الثورة الصناعية وتوسع الأسواق والتجارة وهوس الكسب والجشع الرأسمالي - وحتى في نظم التشغيل الاشتراكي كذلك- إلى أنماط من التشغيل والتوظيف في القطاع التجاري وفي الجيوش وغيرها, هي أقرب للرق منها إلى المدنية. ولازال هذا موجود.
ففي العصر الإسلام الأول قدم لنا المجتمع المسلم نموذجا من نظام الرق الفريد من نوعه يقوم على الأخوة الإيمانية وحفظ الحقوق, يجب أن ينظر إليه بمصالح وملابسات ذلك الوقع وليس بما نحن عليه اليوم, لأن الكثير ممن يناقشون الرق في الإسلام يناقشونه من منظورين:
أولا: ينظرون إليه مقارنة مع الحال الذي وصل إليه الإنسان في هذا العصر.
ثانيا, ينظر إليه من خلال الخلفية التاريخ لما كان سائدا في الأمم الأخر من بشاعة الرق كما كان عند الرومان وغيرهم.
فكل هذا ليس حجة على الشريعة, ولا على الإسلام الذي نظر لمصلحة محددة وضبطها بضوابط محددة, فكان مثل العلاج الذي لابد منه رغم مرارته, ففي أي الأمم الهالكة التي عرفت الرق, صار فيها (مولى) من كبار العلماء يرجع إليه, ولا يفتي في الحرم إلا هو. كما كان الحال مع عطاء ابن رباح رحمه الله, هذا نوع من الرق يختلف تماما عما هو معروف في عقول الناس.


عين التمر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع