ما كانت شواطئ الرافدين فيئاً لكم
أ.د سعد سلمان عبد الله المشهداني | Prof. Dr : Saad Salman Abdallah ALmishhdani
12/7/2019 القراءات: 5128
في كتاب البلاذري، فتوح البلدان يحدثنا المؤلف عن اللحظة الحرجة التي وقفها الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند فتح أرض العراق . أراد المقاتلون توزيع الأرض غنائم، مثلما كان الحال في الغزوات والفتوحات الأخرى، أجابهم الخليفة بكتاب إلى القائد سعد بن أبي وقاص قائلاً : «بلغني كتابك، تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم، فإذا أتاك كتابي فانظر ما جلب عليه أهل العسكر بخيلهم وركابهم من مال أو كراع، فأقسمه بينهم بعد الخُمس، واترك الأرض والأنهار لعمالها، ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها بين مَنْ حضر لم يكن لمَنْ يبقى بعدهم شيئاً» . وفي هذا الكتاب نقرأ أيضاً ما قاله مؤرخ فتوح البلدان أبي الحسن البلاذري : «أقر عمر بن الخطاب السواد لمَنْ في أصلاب الرجال، وأرحام النساء» ، بمعنى للأجيال القادمة. فأي مستقبل ينتظر البلاد والعباد إذا وزعت الأرض، بما أظهرت وما خزنت، على فئة من الناس، ومن جيل واحد. وقال لهم الخليفة، وهو يواجه الضغوط، فأرض العراق ليس كغيرها سوداء من شدة الخضرة والخصوبة: «قد أشرك الله الذين يأتون بعدكم في هذا الفيء». بعدها لم يلغ الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد أصبحت الكوفة عاصمة له، ما تقرر. وجرت محاولة من قبل الوليد بن عبد الملك إلا أنه تردد بعد أن أُخبر بما أقره عمر. وهكذا ظلت أرض السواد «لا تشترى ولا تُباع». حتى جاء الوزير السلجوقي نِظام الملك فخالف سُنَّة عمر بأرض السواد ووزعها إقطاعيات، وما هي إلا عقود فأعادها المستنجد بالله إلى الخراج، وربما قُتل بسببها، في ظل الهيمنة السلجوقية. ويعد هذا الخليفة من جملة المستبدين العادلين في تاريخ الدولة الإسلامية.
ان الفارق كبير بين أولئك المقاتلين، الذين لم ينقسموا بعد إلى سُنَّة وشيعة، وبين الأحزاب والجماعات التي تتقاسم السلطة والنفوذ والثروة اليوم، أولئك أخذوها بأسيافهم، وهؤلاء جاءتهم عطية وهبة وبرداً وسلاماً، ومع ذلك تنمروا وأصروا على أخذ الفيء نهباً، وما زالوا يراكمونه، عبر الدين وعبر الديمقراطية معاً، فهم يقدمون أنفسهم وكلاء الله على الأرض، ويمتلكون ناصية الفتوى، لذا أشاعوا في رؤوس البسطاء، ممَنْ طال عليهم الأمل والانتظار، أن عدم انتخاباهم سيقود إلى نار جهنم، بل يقطع الأرزاق، ويُطلق النساء، ويخرج من الملة. أليس هذا هو الاستبداد بعينه؟
ان الأحزاب والجماعات والشخصيات في العراق، منها المعارضة السابقة ومنها الذين امتطوا صهوة الحدث، مطالبون بإعادة أملاك الدولة، وبالاكتفاء بمقر أو مقرين، ودار أو دارين، وأن يفرغوا ساحل دجلة لبغداد، ويعيدوا قصور الشعب الرئاسية ودوائر البصرة ونواديها . ولنا في عمر أسوة حسنة وقد ترك في الأرض لمَنْ هم في أصلاب الرجال وأرحام النساء. ومَنْ أحب الامام علي بن أبي طالب فأصغر حارس من حماية السياسيين أكثر منه ترفاً وانبساطاً في العيش.
أعيدوا للدولة أملاكها، فما كانت شواطئ الرافدين فيئاً لكم!
فتوح البلدان للبلاذري، عمر ابن الخطاب، فتح العراق
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع