مدونة الباحثة لطيفة المهدي شوقي
جماعة "الحريدم" تكشف هشاشة نظام الإحتلال
د. لطيفة المهدي شوقي | Dr.Latifa Elmehdi CHAOUKI
8/27/2024 القراءات: 119
يواجه نظام الإحتلال منذ أسابيع بشوارع القدس مظاهرات متتابعة لطائفة الحريدم اليهودية وذلك احتجاجا على قانون التجنيد الإجباري لهاته الجماعة ضمن الجيش الإسرائيلي، وتعود جذور ظهورهم إلى نهاية القرن 18، حيث نشأت هاته الجماعة ببلغاريا وتتكون من مجموعة من اليهود المتدينين والمحافظين المنشغلين بتطبيق الطقوس الدينية المستمدة من التوراه والتلمود. وتشكل طائفة الحريدم 17 بالمائة من سكان إسرائيل نظرا لتزايد عدد الولادات في صفوفهم ويتوقع أن تصل إلى 20 بالمائة مع حلول عام 2035، ومن صفات الحريديين أنهم يتعارضون مع الأفكار التي أتى بها كل من التيار العلماني والحركة الصهيونية والتي تأسست عليها إسرائيل ويعتقدون أن ذلك غزو ليبيرالي محض من شأنه انتهاك الهوية الدينية والإعتقادية للحريدم. وقد بدأت ملامح التفرقة في المجتمع الإسرائيلي منذ نشأة الحركة الصهيونة عام 1897 والتي تغذت بدورها على الفكر العلماني لسنوات فجعلت من الدين وممارسة الشعائر الدينية أمرا هامشيا وليس من أسس قيام إسرائيل، وهذا ما يتخالف تماما مع مبادئ وثوابت جماعة الحريدم، وكان نتيجة هذا التهميش للهوية الدينية نشوب صراع داخلي طويل بين كل من المجتمعين الديني والصهيوعلماني، ونتج عنه أيضا غموض وضبابية مستقبل إسرائيل كدولة، لكونها غير قادرة على الموازنة والملاءمة بين الدين والسياسة، والمؤكد أنه يستحيل قيام دولة مع هذا التوتر والإنقسام العميق في المجتمع الإسرائيلي، بحيث أن قيام دولة ما يتطلب الخضوع لنفس القوانين والسعي لنفس الأهداف واتباع سياسة داخلية موحدة ومنسجمة، وقد أثبت التاريخ عكس ذلك من خلال النزاعات والصراعات المستمرة بين المعسكرين والتي وصلت لحد استخدام الأسلحة والحرق والقيام بأعمال الشغب وتدمير الممتلكات العامة والعديد من الأعمال التي تضر بالنظام. وفي عام 2017 أصدرت المحكمة العليا بإسرائيل قرارا بإلغاء إعفاء الحريدم من الخدمة العسكرية معتبرة ذلك تمييزا يمس بمبدأ المساواة، وأمرت الحكومة بايجاد حل ووضع قانون لذلك وأمهلتها إلى غاية 30 مارس 2024. رغم أن اليهود الحريدم تم إعفاءهم لسنوات من الخدمة العسكرية بفعل قوة وضغط ممثليهم في الحكومة الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين والوضع الداخلي يزيد توترا وتفاقما خاصة بعدما هدد بعض القادة الحريدين بمغادرة إسرائيل في حالة سن هذا القانون، ورغم قلة الحريدم لكنهم يملكون نفوذا سياسيا ودينيا كبيرا داخل الكنيست، بالمقابل يحتاج الساسة الإسرائيليون لكسب ثقة الكنيست، إضافة إلى ذلك يمثل الحريدم داخل الحكومة الإسرائلية حزبين قويين هما حزب "شاس" وهو حزب مكون من الحريديين المتدينين الشرقيين، ثم حزب "يهود التوراه" وهذا الحزب يمثل اليهود الغربيين وهم من الأغنياء القاطنين بالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا ويملكون نفوذا كبيرا داخل هذه البلدان وكذلك داخل الكنيست، وهذا ما سيجعل إسرائيل في موقف حرج وضغط متواصل سواء داخليا أو من خلال الضغوطات الخارجية. وقد تردد وزير الدفاع يوآف عالانت عن التصويت لصالح هذا القرار، وتمت استقالة عضوين من مجلس الحرب ورفض بعض الأعضاء التصويت، وهذا التردد والإمتناع في مجلس الحرب إن دل فإنما يدل على خوف الساسة الإسرائيليين من عواقب التصويت لصالح هذا القانون وخوفها من ردة فعل المعسكر اليميني، ويدل أيضا على حجم التشتت والهشاشة داخل النظام الإسرائيلي في اتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية من قبيل هذا القرار. ويبدو أن طائفة الحريدم لن تخضع لقرار التجنيد كونها تتنكر من الأساس للأسس التي قامت عليها إسرائيل، باعتبارها مزيجا من الفكر الصهيوني والعلماني الذي يخالف الهوية اليهودية المحافظة، ويتضح لليوم أن جماعة الحريدم لا زالت تطالب بقوة بحقها في مجتمع يهودي مستقل ومحافظ، هذا ما يتعارض تماما مع الأعراف العسكرية ومع الفكر الليبيرالي لبعض أفراد الكنيست. في جانب آخر تعرف نسبة سكان الحريدم تزايدا بشكل كبير داخل القدس وتل أبيب وبني براك، وهذا التزايد نتيجة عدم وجود قتلى حرب في صفوفهم كما هو الشأن لدى باقي الأسر الإسرائيلية، وهذا التزايد يشكل تهديدا صريحا للنظام الإسرائيلي، فاستحواذ هاته الطائفة على القرار السياسي هو أسوء كابوس يمكن أن تعيشه إسرائيل، وذلك يعني نهاية الحركة الصهيونية وفشل التيار العلماني داخل إسرائيل، واليوم يظهر لنا جليا أن إسرائيل تقف عاجزة أمام هذا الإنقسام والتشتت الداخلي العميق في ظل الحرب الضارية التي تخوضها ضد حركة "حماس". ونستخلص من كل هذا أن طائفة الحريدم تعتبر نقطة ضعف سوداء لإسرائيل تعتبرها كعائق يواجه السياسة الداخلية ويزيد من حدة التوتر والهشاشة في التعامل مع القوانين والقرارات. وأخيرا نؤكد على أن ظهور الحركة الصهيونية والليبرالية كان له دور كبير في التفرقة والإنقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، وهذا الإنقسام سيتفاقم ويتعقد مستقبلا، ويعقبه انهيار سياسي داخلي كبير، ومادامت طائفة الحريدم موجودة فهي ستظل تدافع عن هويتها وتتشبت بمعتقدها لأن ما يحركها روحاني وليس سياسي.
الحريدم، إس.رئيل،الصراع الداخلي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع