مدونة سعد رفعت سرحت


تآخي الوجودية والتصوف،(أغنية"من غير ليه") أنموذجًا /مقال في أجزاء(الجزء الأول)

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


1/5/2021 القراءات: 909  


الأغنية بقلم المبدع مرسي عزيز جميل كتبها ليختتم بها مشوار عندليبنا عبد الحليم حافظ و يلخّصه،هذا المشوار المأساوي الذي بدأه حليم تقريبًا بداية وجودية مع قصيدة (لست أدري)للشاعر أيليا أبو ماضي:
جئت لا اعلم من اين ولكني اتيـــــــت ولقد ابصرت للدنيا طريقاً فمشيــــت وسأبقى سائراً ان شئت هذا ام ابيــت كيف جئت كيف ابصرت طريقـــــــــي
لست ادري ...
ولحياة حليم المأساوية وقعها في تجربته الفنية فقد أغنت حياته هذه التجربة بمزيد من الأعمال على هذه الشاكلة حتى أصبح الفكر الوجودي الباراديم الذي يسترشد به حليم في فنّه،على ما يبدو ذلك واضحا في كثير من أغانيه مثل_لا على سبيل الحصر_(فوق الشوك)و(زي الهوى) و(موعود)و(قارئة الفنجان)و(يا مالكًا قلبي)وغير ذلك من الأغاني التي تنحو منحًى عدميًا.فضلًا عن أن التيار الوجودي كان قد أثبت حضوره الملحّ في الساحة الأدبية آنذاك، فكان استلهام مقولات الفكر الوجودي و مبادئه وتذويبها تذويبًا جماليًا في الأعمال الأدبية قد أصبح موضة فكرية جمالية يصعب تجاوزها عند الأدباء والفنانين على اختلاف انتماءاتهم. ناهيك عن أن حليمًا كان صاحب نظرة انتقائية فريدة عند اختيار أغانيه،فقد كان يتدخل في نصوص أغانيه بقوة، فهو لا يلبث يختار وينتقي ويتدخل في اختياراته،ويبدو أنّ الأدباء قد استغلوا رغباته و قناعاته فأخذوا يؤلفون له بما يتوافق مع هذه الرغبات والقناعات....
(من غير ليه)تتناص،بدءًا،مع (لست أدري)بل يظنّ قارئها أنها حاشية عليها أو لنقل إعادة تأويل أمين لها،فقصيدة إيليا ذات نغمة وجودية ملحدة تثير أسئلة كبرى عن وجودنا وعن جدوى هذا الوجود،فهي عبثية يطغى فيها الشعور المأساوي إزاء الحياة،أمّا قصيدة مرسي فتبدأ بداية يخيّل إلينا أنها تكرار وتأكيد لفكرة إيليا،إذ يكرّر مرسي في مقدمته أسئلة أيليا ذاتها،ولكن سرعان ما يُغني نصّه بمزيد من بواعث الأمل والجدوى من الحياة والإيمان بالقدر،وهذا ما يجعل من نصه ينحرف عن مضامين إيليا انحرافًا جذريًا،انحرافًا من العبث الى الجدوى،من الإلحاد الى الإيمان.
لو بدأنا بعنوان القصيدة"من غير ليه" لظهر لنا أنّه إجابة تضمر الرضا على ما جرى،إنّ ما كان كان حتمًا مقضيًّا،كان ينبغي أن يقع.كما تضمر شيئًا من "إيبوخية" هوسيرل الذي أراد بها وضع العالم بين قوسين للمضي قُدما(في ظلمة الدرب العسير الذي طالت لياليه بنا)إنّنا سالكو هذه الظلمة لا محالة(نمشيها في غربة ليالينا)،فعلامَ الجزع (الى أين؟أو الى متى؟) ،لأنّ أسئلة كهذه نعم إنّا تستوقفنا في مسيرتنا،ولكنّ وقوف الأحرار عندها من شأنه أن يشلهم عن المسير،ويجعلهم منهزمين أمامها،و ليس هذا من شيم الأحرار ولا ديدنهم.
تبدأ الأغنية_على غرار لاأدرية إيليا_ بالحديث عن(الوجود الفعلي)المجرد عن الكينونة،إذ تبدأ بهذا الإقرار المؤلم الذي هو مدخل أولي وخطوة أولى لمعرفة الذات:
جايين الدنيا ما نعرف ليه
ولا رايحين فين ولا عـايـزين إيـه.
فهذه إشارة تحيل إلى أسبقية الوجود على الماهية،نعم إنّنا نوجدُ أولًا بلا ماهيّة سابقة،ليس لدينا عن ذواتنا أي تصور: لا عن الحكمة من وجودنا(=ليه؟)ولا عن مصيرنا(فين؟) ولا عن إرادتنا(إيه؟).
  إنها غربة الإنسان عن ذاته،فنحن مشروع مؤجل لا يكتمل دفعة واحدة لكي يعرف كلٌّ منّا ذاته،إننا وُجدنا هناك مثقلين بأعباء الوجود. و وسط هذه الدوامة تسيّرنا الأقدار وفق إرادة ما فيذهب الفكر بنا كلّ مذهب وبصورة جبرية خارجة عن إرادتنا،إنّنا وُجدنا لا عن إرادتنا ولا عن رغبة نضمرها. هذا كلّ ما في الأمر:
مشاوير مرسومة الخطاوينا
نمشيها في غربة ليالينا
يوم تفرقنا ويوم تجرحنا
واحنا ولا عارفين ليه؟
و زي ما جينا جينا و مش بإيدينا جينا
إنه حكم القدر الذي يسيّرنا بلا إرادة الى أحوال نشتهيها حينًا و لا نرتضيها حينًا آخر،ما جرى حكم مفروض كالذي جمعنا على غير موعد:
-زي ما رمشك خد لياليا وحكم وأمر فيها وفيا  
هنا_وفجأة_ فإذا بالموجود يستدرجه القدر الى دروب كينونته،لعله يحقق بها ذاته،فيُغويه بالجمال والحب اللذين ينتشلانه من دوّامة هذه الغربة،إنّها الفرصة الأولى واللقاء الأول بين الوجود والكينونة،فطوبى لمن لقي بيتًا يُؤويه: ولقيت بيتي بعد الغربه :
قلبك ده!!!!!. وعيونك ديّه!!!!!.
ولقيت روحي باحضان قلبك
بحلم واصحى و اعيش على حبّك
حتى ف عزّ عذابي بحبّك عارف ليه؟. من غير ليه!!!!!!!. آه يا حبيبي بـــحــبّـــك.
أ تعرف ما معنى أن يلقى الإنسان بيته؟.معناه أنه وجد ذاته(الوجود بالكينونة)ولكن:أ بهذه السهولة؟.لا بكلّ تأكيد فحياة الأحرار مسالك:مسالك تبلى فيها الضمائر ،تعقب تلك المسالك مسالك أخرى ،إنها مدارج السالكين.
وللحديث مسالك.


الوجودية_التصوف_من غير ليه


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع