مدونة نضيرة بريوة


سَألْتُ جَدّتِي عن شَهْرِ رمضان فقالتْ فيه كلماتٍ.

د. نضيرة بريوة | Dr. Nadira Brioua


4/17/2023 القراءات: 1176  


"صَهْ!"
لماذا تُصمتينني ياجدّتي؟ منذ متى تشاهدين صندوق العجَبِ والشَيْطان!
و ظلّتِ الجدّة صامتةً للحظاتٍ...
"غدا رمضان.. غدا يحلُّ علينا ضيفٌ كرِيمٌ إن شاء الله."
رمضان! من هو رمضان يا جدّتي؟
"ههه.. رمضان شهر وليس شخصًا.. شهر الصيامِ.. الركن الرابع من أركان الإسلام.. اِسْتحْضري الأركان الخمسة للإسلام."
"لذلك قامت أمّي بتنظيف البيت زيادة عن اللزوم و قصدت بالأمس السوق مع جارتنا لشراء بعض الأثاث المنزلية الجديدة لاستقبال رمضان!"
"هذا جزء بسيط من عاداتنا وتقاليدنا ضمن الثقافة الشائعة، لكن رمضان أوسع بكثير من هذه الدائرة الضيقة يا بُنيّتي، زواياه كثيرة."
هلا شرحتِ لي هذه الزوايا يا جدّتي.
"يعتقد البعضُ أنّ رمضان شهرٌ مرتبط بالامتناع عن الأكل والشربِ فقط ولربّما يحصر البعضُ الغاية من الصومِ في تنويع الأطباق. لكنّ الصومَ مدرسةٌ إيمانيةٌ متكاملةٌ يُنمي في الإنسانِ القيمَ الأخلاقيةَ والمبادئَ الإنسانيةَ التي تقوّم سلوكه فيَستقِيم، وتغذي روحه فتُزَكّى وتقوي قلبَه فيُشبّعُ بالتقوى. ولقد شرّع الله للمسلمين الصومَ وجعله رابع أركان الإسلام. فأصبح صيامُ شهرِ رمضان فريضة على كل المسلمين لحكمة أبلغ يا جوهرة قلبي. الصّيام تكريمٌ للقرآن الذي أُنْزِلَ في شهر رمضان، و تخليصٌ من الذنوب والمعاصي لاجتناب دخول النّار والفوز بالجنّة."
ما الحكمةُ من رمضان يا جدّتي؟
"رمضانُ يطهّرنا يا بُنيّتي: يطهّرُ بطوننا من بقايا الأكلِ الغير صحيّ والتخمة والبدانة التي تصيبنا بالكسل والخمول فتثقل خطواتنا اتجاه الصّلاة، يطهّر أبداننا ويجعلها تتحمّل الجوعَ والعطش. يطهّر أعيننا ويعلّمها غضّ البصر عن الفواحش والسوء ويعلّمها التقوى. يطهّر أرواحنا لتصبح نقيّة منزهة عن الأدناس من خلال إظهار الخير و طرد الشرّ واعتلاء النفس اللوامة لتطرد الأمارة بالسوء فينا فينتهي بنا الشهر عند النفس المطمئنة. يطهّر قلوبنا من الحقد والحسد و ينشر فيها المودة و الرحمة فيتراحم الناس و يتسامحون و يتهادون الحبّ والدعاء من بعيد و قريب. يزكّي أرزاقنا فترى الموائد تجمع الناس من كل مكان بغض النظر عن ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم وثقافاتهم و حدودهم الوهمية فيجود الغني والفقير ويكرم السائل والعاطي وتتآلف القلوب فتكون قلبا واحدا يعتلي هلال رمضان ويسكن شمس الأمل ويبث خيوط الخير والجود والكرم. يطهّر وجوهنا من الحزن والكآبة و يعلّم ثغرنا الابتسامة والبهجة. يطهّر ألسنتنا من الغيبة السوء والفاحشة والسبّ والشتم ويعلّمنا كثرة الأذكار و تلاوة القرآن والكلام الطيّب. يطهّر أسماعنا من التجسس وسماع الأغاني و سوء الأصوات ويعلّمها الاستماع لما طاب ممّا ذكرت الألسن والأصوات..يطهّرنا من التعلق بالدنيا و ملذاتها وزينتها و يذكرنا بمن في القبور في كل مائدة ينقصها كرسيّ و يعلقنا بالآخرة فلا تغوينا الحياة الدنيا خلال و بعد رمضان لمن اهتدى وتاب. يطهّر حوبتنا ويعلّمنا معايشة الصفاء والنقاء والرحمة والإخاء والحبّ..."
و ما ينال الإنسان مقابل الصيامِ في الآخرة يا جدّتي؟
"في رمضان تُفتح أبواب الجنّة يا بُنيّتي وتُغلق أبواب النّار و تُصفد الشياطين، ويعتق الله في كلّ ليلة خلال شهر رمضان سبعين ألفًا من دخول النار لقول النبي صلى الله عليه و سلّم: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ). كما كان الصيّام مشقةً وصبراً على الجوع والعطشِ والقيام والتلاوة والذكر والعطاء والتراحم من بزوغ الفجر إلى غروب الشمس لمدة شهر كذلك كانت غايته وثمرته عظيمةً، فكان لنا من وراء الصبر على الجوع والعطشِ تقرّبٌ من الله، ومغفرةٌ للذنوبِ، وكشفٌ عن الكُربات، وتهوينٌ لأمورِ الدنيا التي نُؤتى ثمرتها في الآخرة، ورضا الله عن الأعمال، وجُنّةٌ من كيد الأعداء وفوزٌ بالجنّةِ وقد خصّص الله باب الريان للصائمين فلا يدخل الجنّة عبر هذا الباب إلا الصّائمون لقول النبي صلى الله عليه و سلّم: (فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إلَّا الصَّائِمُونَ). و تيقني يا بُنيّتي أنّ جزاء الصائم أعظم و يختلف من شخص إلى آخر."
ألا يعدل الله بين الصائمين يا جدّتي؟
"حاشا أن يظلم الله عباده و قد حرّم الظلم على نفسه وعلينا.. كل أعمالنا لنا إلاّ الصيام لله و هو يجزي به كل عبد بحسب نيّته و حسن صيامه وتقواه و صبره.. هناك من يعتبر الصيام إمساك عن الأكل والشرب فقط، و هناك من يعتبره إمساك عن الأكل والشرب والكلام السيئ والأفعال المشينة، و هناك من يعتبره، بالإضافة إلى ما ذكر سابقا، شهر للعبادة والقيام والأذكار و تلاوة القرآن والصدقات والتراحم والتواد. هل الذي يصوم رمضان إمساكا عن الأكل والشرب فقط كالذي يصوم و يقوم و يتصدق إيمانا و احتسابا ويذكر الله كثيرا؟"
"طبعا لا يا جدّتي."
"الله عادل لا يظلم أحدًا لكنّنا نظلم أنفسنا إذا قصرنا و تهاونا يا يُمْنى."
وما الذي يُسعدك لهذه الدرجة يا جدّتي. ثغرك المعتاد على الابتسامة قد ضحك.
"إنها ضَحكات السّكينة يا يُمنى.. نَضْرة الطُّمأْنينة والروحانية البيضاء التي تبعث بالإيمان في القلب والرحمة في النّفس. الصيام يخلق فينا رونَق الضُّحا والنَّفحاتِ الإيمانية التي تنشر البهجة والفرحة في قلوب المسلمين يا بهجة قلبي. قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم: "للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"... فرحة الصبر وقوة الإرادة والتحكم بالشهوات وغيرها والتغلّب على أهواء النّفس وطهارة الروح من السوء، والقلب من الغلّ، والجسد


رمضان، الروح، القلب، الإيمان، الصيام، العمل الصالح


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع