الأسس الروحية في فكر الإصلاحي للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله.(1)
الدكتور محمد ايت عدي | Dr MOHAMMED AIT ADDI
9/21/2021 القراءات: 2927
مقال منشور بمجلة حوافز للدراسات الإنسانية والإسلامية
عدد: 07 مارس 2021.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن ما أصاب الأمة من انتكاسات متوالية، وما غشيتها من عماية راجع إلى الغفلة التي أصابتها فتاهت عن الطريق، واحتاجت إلى نوع جديد من النظر لإزالة الغشاوة والغفلة التي أصابت القلوب قبل الأبصار، قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾ (الحج: 46 )، فالإبصار النفسي أو القلبي هو الذي يصاب بالعمى والغفلة، وعلاجه بالتذكر، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (الأعراف: 201).
والمشروع الدعوي أو الإصلاحي ليس رهينا بعدد المتبعين، بقدر ما هو رهين بعدد المبْصرِين والمبصِّرين.
ولقد عمل الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله تعالى على وضع أسس مشروع إصلاحي يخاطب الوجدان الديني الفردي والجماعي ملتفتا فيه إلى إحياء البدهيات الدينية والاعتقادية والعملية، فهو يرى أن كثيرا من البلاء المتسلط على البلاد والعباد سببه إهمال تلك البدهيات ونسيانها.
ومجمل الأسس الروحية التي وضعها لهذا المشروع الإصلاحي ثلاثة وهي:
4- بعث الرسالة القرءانية.
5- اعتماد منهج التربية النبوية.
6- اعتماد المجالس القرءانية آلية لترسيخ الهدي القرءاني والإرشاد النبوي.
وسأتناول بيان هذه الأسس المحيية للقلوب والمبصرة بآيات الله في المطالب التالية:
المطلب الأول: بعث الرسالة القرءانية.
إن أول ما يجب أن يعرفه الإنسان من القرءان هو طبيعته من حيث هو رسالة رب الكون. فالمسلمون في كثير من الأقطار يعانون اليوم من أزمة غياب التداول الاجتماعي للقرءان الكريم، ومعنى التداول هنا الانخراط العملي في تصريف آيات الكتاب في السلوك البشري العام تلاوة وتزكية وتعلما.
وإن مشكلتنا كما يصرح الأنصاري رحمه الله:" أننا نشتغل حول القرءان وليس بالقرءان وفي القرءان الذي هو عمل يتخذ كتاب الله أساس مشروعه وصلب عمله ومنهاجه تلاوة وتزكية وتعلما وتعليما".
فالقرءان الكريم روح كما يقول رحمه الله استمدادا من قوله تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ (الشورى: 52 – 53).
والروح له خصائص منها أن جوهره ممتنع الإدراك، قال تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾(الإسراء: 85)، ومنها أنه سبب الحياة وباعثها بإذن الله، فهو سبب حياة هذه الأمة، وسبب حياة القلوب. ولا سبيل لحياة القلوب إلا بالتعرف على القرءان الكريم مدارسة وتدبرا، والتدبر غاية كل ذلك ونتيجته، قال تعالى:﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾(ص: 29)، ولولا التدبر لما حصل التذكر الذي هو يقظة القلب وعمران الوجدان بالإيمان.
وتدبر آيات القرءان هو النظر إلى مآلاتها وعواقبها في النفس والمجتمع، بأن ينظر المتدبر موقعها في نفسه وآثارها على قلبه وعمله، محاولا بذلك أن يقرأ سيرته في ضوئها. وإن كانت تتعلق بالمجتمع ننظر في سنن الله فيه كيف وقعت وكيف نراها اليوم تقع؟
فالقرءان الكريم هو كلام الله وفي التدبر فيه والتفكر في آيات الكون ثمرات كثيرة، ومن أول الثمرات معرفة الله سبحانه وتعالى.
1- التعرف إلى الله والتعريف به:
فواقع المسلمين اليوم يؤكد حقيقة مؤسفة وهي عدم معرفة الله، فلو كان الناس يعرفون الله حقا لكان الحال غير الحال.
ولقد كان أول حق رب الناس على الناس وجب عليهم تأديته ابتداء كما يقول فريد الأنصاري رحمه الله:" هو حق الخالقية، أي أن تبحث عن الله الخالق، فالله سبحانه وتعالى كلما نادى الناس في القرءان بالاستجابة لأمره التعبدي ناداهم من حيث هو خالقهم"، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة: 21 – 22).
فمن هذا الحق يستفيد الإنسان معنى عظيما لوجوده يخرجه من التيه الوجودي. فبأي نفسية يعيش الإنسان هذه الحياة وهو يرى أن غايتها إلى العدم المطلق والفناء الرهيب وذلك ما يقوده غالبا إلى الشره المتوحش في تناولها، أو إلى العزوف القلق ثم الانتحار.
ويرى رحمه الله أن العبد الذي أيقن بمعرفة الله يفيض قلبه بالمحبة، محبة كل شيء، إذ يجد أخوة إيمانية في وجدانه مع كل شيء من الكائنات، فالكل مستغرق في عبادة الله، سالك إليه عبر مسالك المحبة، قال تعالى:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾(الإسراء: 44).
ومن الحكم التي فاضت به وشائج الأنصاري رحمه الله قوله:" التعرف إلى الله والتعريف به ذلك هو رأس العلم. ومن وجد الله وجد كل شيء ومن فاته الله فاته كل شيء".
فريد الأنصاري - مشروع - الإصلاح - التربية - الروحية - العمران - القرءان - الحركة الإسلامية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة