مدونة د علي الشيخي


يعرفونه كما يعرفون أبناءهم

د علي الشيخي | dr Ali Alsheikhi


10/9/2021 القراءات: 2033  


يعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال الله تعالى :{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. (البقرة : 146). هذه الآية , وآية الـــ 20 من سورة الأنعام, تبين حال أهل الكتاب في تيقنهم من معرفة صدق ما جاء به الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم , وأن تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في مكة المكرمة قد جاءت الإشارة إليه في كتابهم, وقد بلغت درجة تيقنهم من ذلك, كدرجة معرفتهم لأبنائهم , الذين لا يمكن أن يشتبهوا بغيرهم, وهنا لفتة بلاغية , إذ خص الله الأبناء بالذكر دون النفس, بخلاف ما يتبادر للبعض بقولهم: كان الأولى أن يقال: كما يعرفون أنفسهم, لأن النفس ألصق, والسبب في هذا العدول هو أن الإنسان يمرّ عليه من زمنه برهة , لا يعرف فيها نفسه, ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه.(تفسير ابن عطيه, 2016 , ج 1 : 223, والقرطبي , 2009,ج 1 : 124 - 125). ومن المعلوم أن كل الإنسان لديه منطقة عمياء, لا يستطيع اكتشاف نفسه من خلالها, وهذه المنطقة هي ما لا تعرفه أنت عن نفسك, ويعرفه الآخرون عنك, فإذا ما أدرك الإنسان وجود هذه البقعة العمياء في ذاته وعلاقاته, فإنه سوف يدرك أن هناك أشياء غائبة عنه في ذاته وفي الآخرين, وأنه أمام تحدي من أجل اكتشافها ومعرفتها, وفي حال تعمد تجاهلها, فإن العواقب ستكون وخيمة بلا شك. بينما يستطيع الآباء أن يكتشفوا قدرات ومواهب أبنائهم في وقت مبكر, فإذا ما اهتدوا لاكتشافها بفطرهم السليمة, وجب عليهم أن يعملوا على تعزيزها وتنميتها لتتحول إلى قدرات باسقة منتجة, فالطفل نبتة تحتاج إلى من يرويها ويرعاها لكي تشق طريقها في الحياة نحو التميز, وقديماً قيل : العلم في الصغر كالنقش على الحجر, ولا ينبغي أن يقتصر دور الآباء والأمهات هنا على اكتشاف القدرات والمواهب فحسب, بل ينبغي عليهم أن يعملوا على تشجيع الأبناء وتحفيزهم لتنمية وتمتين تلك المواهب والقدرات لديهم, لكي يصلوا إلى أعلى درجات التميز والإبداع الممكن, كما يجب على الآباء أن ينتهجوا الأسلوب الأمثل الذي يتناسب مع الابن في التعليم والتدريب, فكل طفل له أسلوبه المفضل, والذي - بلا شك - قد يختلف عما يتناسب مع طفل آخر. وحين يتعمق الأب في التعرف على مواطن القوة لدى ابنه, تزداد خبرته وتمرسه مع مرور الوقت, ويتمكن من مساعدة ابنه, لكي يضع أقدامه على أولى عتبات التميز, كما يجب على الآباء توفير البيئة المناسبة, وتهيئة سبل الراحة التي تسهل على الابن السير بأمان في دروب التميز, وبلوغ أعلى مراتبه. وإذا ما تهيئت للابن البيئة المناسبة والتحفيز, تولد لديه الشغف الذي سيكون وقوداً له في المستقبل, أما أولئك الآباء الذين يعجزون عن اكتشاف مواهب وقدرات أبنائهم , فينصحون بالخضوع لدورات تدريبية متخصصة مع القراءة في كتب التربية, وتخصيص أوقات يومية للجلوس الواعي مع أبنائهم , لمراقبة تصرفاتهم العفوية, لكي يبنوا عليها مسيرة تحفيز الأبناء وتشجيع مواهبهم وقدراتهم. ومما يؤسف له أن بعض الأبناء قد ينخرطوا في تخصصات لا تتناسب مع ميولهم وقدراتهم, كي يُرضوا تطلعات وأماني آبائهم , مما يتسبب في اندثار كثير من المواهب التي تحتاجها جودة الحياة, وذلك نتيجة فرض الآباء على أبنائهم تخصصات عجزوا عن تحصيلها في زمن شبابهم, والمتمعن في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أن التحفيز والتشجيع كان يستنهض به عليه السلام همم أصحابه, فأبو بكر أطلق عليه الصديق لأنه أول من صدق الرسالة, وصدق أيضاً بمعجزة الإسراء والمعراج حين كذبها الكثير, وعمر بن الخطاب فاروق, لأنه كان يفرق بين الحق والباطل, وقد وافق القرآن رأيه في أكثر من موضع, وخالد بن الوليد سيف الله المسلول لأنه كان سيفاً مسلولاً في وجوه أعداء الإسلام من المشركين, وغيرهم الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم. ويحفظ لنا التاريخ قديماً وحديثاً قصصاً من التحفيز أصبحت واقعاً , فهذه هند بنت عتبة عندما تنبأ أحد الحكماء لابنها معاوية بن أبي سفيان بأن يسود قومه إذا كبر, فقالت: ثَكِلتُهُ إن لم يَسُدْ إلا قومه, فهذا التحفيز قاد معاوية رضي الله عنه إلى أن أصبح أميراً للدولة الإسلامية, وفي العصر الحديث هناك آباء وأمهات قد حفزوا أبناءهم بإطلاق ألقاب عليهم وهم صغار كطبيب أو مهندس أو ضابط , وفعلاً تحققت تلك الأماني ووصل الأبناء إلى تلك التوقعات, التي كان التحفيز وقوداً لهم قادهم إلى بلوغ هذه التطلعات.


الأبناء التربية التحفيز .


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع