مدونة الباحثة لطيفة المهدي شوقي


"الغرب الصليبي بين الأمس واليوم"

د. لطيفة المهدي شوقي | Dr.Latifa Elmehdi CHAOUKI


1/3/2024 القراءات: 851  



حتى لا ننسى تاريخ الغرب الصليبي بالأمس ودوره اليوم في دعم الكيان الصهي_وني في تنفيذ جرائمه ومجازره ضد الأبرياء، أحببنا أن نحتفل مع الغرب الصليبي بطريقتنا الخاصة وبشجرة الميلاد الأكثر دموية والتي زينها بجثث الأبرياء عبر التاريخ، ففي سنة 1095 وقف بابا روما "أرمون الثاني" أعلى سلطة دينية بالعالم المسيحي بمجمع "كليرمونت الديني" بجنوب فرنسا ودعى باسم الرب بانطلاق حملة عسكرية واسعة سميت بالحرب الصليبية وكان هدفها استعادة القدس والحد من امتداد الدولة السلجوقية، انطلقت جيوش أوروبا شرقا ووصلوا لحدود العالم الإسلامي، كانت حينها الأمة الإسلامية تعيش صراعات داخلية طاحنة سواء بالعراق والشام ومصر وأيضا بسبب ضعف الدولة الفاطمية بعد وفاة الخليفة "المستنصر بالله" حيث بدأ الشقاق والنزاع، وكان الخلاف بين الأمراء آنذاك وحربهم ضد بعضهم البعض حول الخلافة والسلطة بدعوى توحيد العالم الإسلامي. وهذا يذكرنا بما تعيشه الدول العربية الإسلامية اليوم من تفكك وضعف وهوان، وسعيها وراء مصالحها الإقتصادية والسياسية وإن كان ذلك مقابل وضع يدها بيد العدو وتولية ظهرها للأخ من نفس الدم والعرق والدين. وفي سنة 1098، عرف العالم الإسلامي سقوط أنطاكية ومعرة النعمان وحدثت مجارز تاريخية موحشة ضد المسلمين من اغتصاب وقتل وتنكيل وأكل للأطفال وأقصى ما يمكن تخيله من مظاهر البشاعة والقتل، وتوالت الهزائم للمسلمين حتى تمكن الصليبيون من احتلال القدس سنة 1099 وقتل 70 ألف مسلم حتى أن الدم لون أقدام الصليبيين حد الكاحل كما ثبت في المصادر الصليبية، وقتل 10 آلاف مسلم فقط داخل حرم المسجد الأقصى ولم يبقى أحد من المقدسين إلا وقتل أو سبي أو بيع بسوق النخاسة، ومن بقي حيا استخدم في نقل جثث إخوانه لتكديسها خارج أسوار القدس. هذه الحملة الصليبية كانت إبادة جماعية ممنهجة ضد المسلمين بينت هدفها الرئيسي وهو احتلال القدس و استيطان المنطقة والسيطرة عليها، وهو نفس هدف الكيان الص_هيوني اليوم بعد المجازر التي ارتكبها في حق الفلسطينيين الأبرياء منذ اكثر من سبعين عاما. ويبدو أن الحركة الصليبية التي تأسست سنة 1095 لا تختلف في شيء عن الحركة الصهي_ونية التي تأسست سنة 1897 من حيث الغاية والإستراتيجية المتبعة لتحقيق هاته الغاية، ويظهر ذلك جليا من خلال الإبادة التي تقترفها إسرا_ئيل في حق الأبرياء.
ظلت القدس مستعمرة 88 سنة بيد الصليبيين كما أنها اليوم بيد الكيان الصهيوني أكثر من 70 سنة، إلى حين أن أن توحدت الشام ومصر تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي الذي استرجع القدس سنة 1187 وفي سنة 1229 وبعد تفكك الوحدة الإسلامية من جديد استرجع الصليبيون القدس، وهنا يتضح جليا أن القدس لن تعود إلا بوحدة بلدان المسلمين وهذا ما أثبته التاريخ ولم يعطى لدراسة التاريخ أهمية إلا لأخذ العبر، كما أن الحرب التي تخوضها اليوم كتا_ئب الق_سام ضد العدو والتي لقنت الكيان الغاصب دروسا في دقة التخطيط العسكري والحنكة الإستراتيجية تذكرنا كثيرا بفطنة وذكاء القائد صلاح الدين الأيوبي في حربه ضد الصليبيين، ولعلها تكون شعلة الأمل التي لا تنطفئ إلا بعد تحرير بيت المقدس. والباحث في تاريخ الغرب الصليبي والمتأمل في موقف بعض الدول الغربية اليوم كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا سيعلم يقينا أن الأمس لا يختلف عن اليوم وأن "الصليبية" لازالت متجذرة في الغرب ويتضح ذلك من خلال حقدها الدفين للمسلمين الذي لم ولن يتغير بالرغم من التغيرات التي يعرفها النظام العالمي وبالرغم من كل خطابات السلام المزعومة وحوار الحضارات وتلاقح الثقافات، فهاته الحرب اليوم حول بيت المقدس هي بالأساس حرب عقدية قبل أن تكون ذات أهداف جيوسياسية واقتصادية، وهي امتداد لحروب كثيرة سطرها التاريخ، وما جعل الغرب الصليبي يتراجع في تشبته ببيت المقدس هو ضعف شعلة "الديانة المسيحية" في قلوب الغربيين وسعيهم وراء الرأسمالية والعلمانية، وإلا لأعاد إحياء تاريخه الصليبي الملطخ بالدماء، وهذا الإنسلاخ هو ما لم يسلم منه أيضا العالم الإسلامي، حيث أصبحت الحداثة والعلمانية توجه الكثير من المسلمين، فبهتت العقائد في قلوبهم ومن بينها عقيدة المسجد الأقصى وضعف التمسك بالهوية الدينية والثقافية.

مقال بقلم : لطيفة المهدي شوقي
بتاريخ 31-12-2023 على الساعة 11 ليلا


تاريخ الصليبيين، الإبادة الجماعية، المسجد الأقصى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع