الثقافة والتسامح.. الصلاة وراء عبد الله وتكفير عبد القدوس
د. محمود عبد المجيد عساف | Mahmoud A.R. Assaf
2/11/2022 القراءات: 2332
في واحدة من محاولاتي لقدح زناد التفكير حول واقع الثقافة بألوانها، واتجاهات المثقفين ودورهم في تعزيز السلم الاجتماعي أو التأثير على القرار السياسي أو حتى تحصين البناء الاجتماعي، وبعيداً عن تعريف الثقافة أو تصنيف المثقفين بين(المستلب، المشتبك، المساير،..) وجدت أن هناك إشكالية واضحة تؤثر سلباً على دور الثقافة بشكل عام، والمثقف بشكل خاص في تعزيز التسامح واللاعنف أو دعم قبول الآخر، تتمثل في تشوه العلاقة بين المثقفين أنفسهم، وبين المثقف والجمهور.
فمن الناحية الأولى، قلما تجد الحب أو تمني الخير بينهم، وقد تجد انفصالاً شبه تام بين ما يطرح المثقف، وبين دوره الوظيفي وفق معايير تخدم مصلحته أو تبعد عنه بطش السلطة، وكذلك انفصاماً بين ما ينظر له وما يتبعه من سلوك.
ومن الناحية الثانية، وعلى اعتبار أن المثقف هو نتاج للبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، وحيث إن المجتمع يحيا حالة من الهلامية وتداخل المصالح وهيمنة الهوية الحزبية على الهوية الوطنية، فإن حالة المثقف ستتسم بالتشتت وستبقى أزمة المثقف أزمة المجتمع نفسه.
إن التحول في مفهوم وبينونة الثقافة الفلسطينية، لم يؤهلها منذ الانقسام السياسي لأن تكون أداة من أدوات تعزيز التسامح ورفض مظاهر الغلو، رغم ما كان لها من وحدة المضمون ما قبل عام 1993م، والذي يتمثل (بأدب المقاومة)، وازدهار المشهد الثقافي ما قبل عام 2007م، وذلك لسبب البحث عن الهوية الحزبية، ومناصرة الأيديولوجيات على حساب الفضية.
ولأن المثقف الحقيقي لا يساوم على قلة، ولا ينسخ أفكار غيره ويحمل رسالة مفادها التنوير والتحرر من القيود، والتعافي من أمراض التعصب والحزبية، فإن المثقف أو من يدعي الثقافة متورط فيما آلت إليه أحوال المجتمع وكان سبباً غير مباشر في ارتفاع وتيرة خطاب الكراهية خاصة بعدما ساهم الفساد الإعلامي في تلميع من تعود أن يتقمص دور الكاتب أو الفنان أو المثقف إلى أن أصبح له مريديه على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم انتشار واتساع دائرة الثقافة خلال السنوات الأخيرة، لكني أرى أن فيها (قولبة) عجيبة، وبدلاً من أن تكون نتاجاً للحرية أصبحت ضحية للعشوائية، فتراجعت الكثير من المشاهد الحية بسبب البحث عن الشهرة أو المكان في معمعة لن يبقى فيها إلا الإرث الثقافي الجيد.
لقد خلط الجمهور بين التعليم والثقافة وبين الفكر وتعلم التفكر، وركزوا على (الماضوية) بأشخاصها لا بأفعالها وعاشوا طقوس تمجيد(عكاكيز الإغريق) في أوج صورها بسطحية لا تفرق بين مدلول الدين كحزب والعلمانية كدولة.
كل ما سبق فرض على المثقف الحقيقي، والفنان المؤمن برسالته جملة من التحديات، فإما أن يعزل نفسه، أو يجمع بين ولاءين، أو يواجه الكف بالمخرز، من خلال نقد الأساطير المجتمعية والسياسية السائدة سواء على مستوى السلطة الحاكمة أو نقيضها السياسي (الأحزاب المعارضة)، وتعرية القاع المتخلف الداعي إلى النخبوية وإقصاء الآخر أو تعنيفه لمجرد الاختلاف، أو الدعوة للصلاة وراء عبد الله وتكفير عبد القدوس.
إن الثقافة التي كانت تتلخص بوقف، ومجموعة من الأفكار البناءة والشعارات المواجهة للغزو الفكري، لم تعد كذلك، والمثقف الذي كان يمثل الفكر والصياغة والحل بنظر الناس وبنظر نفسه لم يعد كذلك بعد أن استقطبته النخب السياسية، في ظل حالة العوز والفقر والبطالة الصريح منها والمقنن، وبعد أن نشأت الأحزاب النخبوية الباحثة عن السلطة، واتسعت دائرة التكنولوجيا، وتشعبت منصات الإعلام، وتعددت أنماط التعليم، واختلط الحابل بالنابل، إلى الحد الذي طفا على سطح الواقع المرير ما يسمى بوهم الثقافة أو دعاة الثقافة الذين حصروا دورهم في النقل عن غيرهم أو الكتابة بدافع الأجر، أو تمثل دور شاعر القبيلة الجديد الذي يوهم النفس بالقدرة على الكتابة، بمجرد صورة خاصة على الفيس بوك وفي يده سيجارة وعلى مكتبه كوب من القهوة الفاخرة، أو شعور داخلي بالغيرة دون مخزون لغوي أو فكري.
الثقافة، التسامج، السلطة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة