العدد السادس تأملات إعلامية
الاعجاز الإعلامي في الدعاية وأسلوب التذكير بالتكرار / تأملات إعلامية
2/12/2021
د. طه احمد الزيدي
الدعاية نشاط اتصالي لنشر الآراء ووجهات النظر التي تؤثر على الأفكار أو السلوك أو كلاهما، وحث الآخرين على الاقتناع بها أو اعتناقها، أي دعوتهم لاعتناق أفكار معينة، ويقاربها مفهوم الدعوة الإسلامية: في تبليغ عقيدة الإسلام ونشر مبادئه وقيمه وتعاليمه بين سائر الناس، بقصد الاقناع من غير إكراه.
وتمثل الدعاية نمطا من أنماط الاتصال وتم توظيفها إعلاميا بصورتين: ايجابية وسلبية؛ بحسب الغرض منها أو أساليبها، والقرآن الكريم أكد على الجانب الايجابي في نشر المفاهيم الإسلامية والدعوة إليها، وقد سبق إلى توظيف أساليب عدة لتحقيق هذا المقصد.
ومن أساليب القرآن الكريم في الدعاية والدعوة: التأكيد والتذكير بالتكرار، وهو من أكثر الأساليب المعتمدة إعلاميا في زرع أي فكرة داخل عقل الجمهور المستهدف ، إذ يتم اختيار فكرة أو شعار بسيط أو لفظ جذاب وبالتكرار تتحول الفكرة إلى جزء من حياة المتلقي وأحد المكونات الأساسية لوعيه.
قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات: 55) ، (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) (الاعلى:9) ، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق:45)، فهذه الآيات تشير الى أسلوب إعلامي يهدف الى ترسيخ الرسالة وهو أسلوب التذكير باستعمال شتى الأساليب الإعلامية لاستحضار الحقائق في النفوس والحض على العمل بها في الوقت المناسب لأن الحقائق لا ترتبط بموسم محدد او زمن معين، بل فاعليتها ترتبط باستدامة التذكير بها ، ويعد أسلوب التذكير بتكرار الحقائق من أساليب الدعاية في الإعلام، وقد يكون التذكير بالحقيقة نفسها ، أو بالتاريخ لربطه بالحاضر او لربط الحاضر بالمستقبل، وكل ذلك لتعزيز الاستجابة الايجابية أو العمل على تعديل اتجاه اصحاب الاستجابة السلبية.
ويقصد بالتكرار التواصل المستمر في عرض الرسالة الإعلامية لبعض المعاني والقضايا المهمة الواردة في كتاب الله والاعلان عنها مرة بعد اخرى بأساليب فنية متعددة وفي سياقات مختلفة وطرق شتى في التقديم والتأخير والايجاز والتفصيل لإقناع الناس بها وترويضهم عليها.
فالتكرار الإعلامي أن تعاد الرسالة الإعلامية مع اختيار الوقت الملائم الذي يزيدها قوة على قوة وذلك لا يكون الا باستغلال المناسبات وربط الرسالة الإعلامية بالأحداث الجارية وتجديدها بأساليب عديدة في غاية الجدة والابداع تجنبا للإملال وتعميقا لأفكار معينة وعقائد محددة وترسيخا للرسالة في نفوس المتلقين وأذهانهم.
ويؤكد المنظرون في علوم الاتصال إن الدعاية تؤتي ثمارها وتحقق أهدافها في نفوس المتلقين وعقولهم عن طريق التتابع والاستمرار والتكرار، إن سر الدعاية الفعالة لا يكمن في اذاعة بيانات تتناول آلاف الاشياء ولكن في التركيز على بضعة دقائق فقط وتوجيه آذان الناس وأبصارهم اليها مرارا وتكرارا، وهذا هو الأسلوب المعتمد للترويج والتسويق في الاعلانات التجارية.
لقد تنوعت أساليب التكرار في القرآن الكريم فمنها تكرار المعاني، كالإيمان بالله وتوحيده والايمان باليوم الاخر والصلاة والصدق وهكذا بقية المفاهيم الاعتقادية والعملية والسلوكية.
أو بتكرار العبارة أو الآية في سورة واحدة أو في سور عدة، مثل، أية: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) تكررت (31) مرة في سورة الرحمن، وآية: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تكررت (10) مرات في سورة المرسلات، والآيات: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) تكررت (5) مرات في سورة الشعراء، وآية (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) تكررت (4) مرات في سورة القمر، ويلاحظ أنّ محور الآيات المتكررة يتعلق بعنصر من عناصر العملية الاتصالية، كالمصدر (الله – ربّ) أو المرسل (رسول) او المتلقي (المكذبين- المدكر) أو الرسالة والوسيلة (القرآن- الذكر).
ومنها تكرار القصة الإخبارية، مثل قصة نبي الله موسى عليه السلام، فقد ذكر اسمه في القرآن نحو (131) مرة وفي نحو (33) سورة، مجملة ومفصلة ومتنوعة في زوايا الحدث أو المقصد.
لقد سبق القرآن الكريم إلى توظيف أسلوب التكرار في الدعوة والدعاية، وفي تأكيد بعض المعاني وترسيخها لدى المتلقين، وتميز القرآن بتنوع صيغ التكرار في أساليبه الدعائية الايجابية، كتكرار لفظ أو عبارة أو قصة أو حدث معين، كما تميز بتنوع صور عرض هذه الأساليب زيادة في الشد والتشويق، وكل ذلك لأجل تحقيق الغاية العظمى بإخراج الناس من ظلمات الشرك والجهل الى نور التوحيد والحق المبين.
العدد السادس الاعجاز الإعلامي ، الاعلام ، التكرار ، الدعايةمواضيع ذات صلة