11 مقالات

العلاقة بين الصراع الثقافي والتناقض الاجتماعي / مقالات

5/9/2021

أ. د. خالد عبدالقادر منصور التومي

تُشكل هذه العلاقة موضوعًا قديمًا وحديثًا في آن واحد، فهي قديمة لأنها ظهرت بظهور الحياة الإنسانية عبر كل مراحلها التاريخية. وحديثًا لأنها اكتست طابع الديمومة والاستقرار والتغير بتعدد أشكالها ومظاهرها. وإضافةً إلى هذا تُعد موضوعًا في غاية الأهمية والتعقيد، إذ من الصعب بمكان أن نفصل بين أشكالها ومستوياتها من خلال المنظور العام لها، وكذا مظاهرها وإفرازاتها أنماطها ومجالاتها، وأيضًا طبيعتها وعواملها ضمن مجتمع واحد وفي خضم فترة زمنية محددة.

وإنما مضمونًا؛ فيمكن ترجمتها تبعًا لذلك رغبة وطموح الأفراد والجماعات والمجتمعات الدولية؛ بشقيها "الكلاسيكي والمعاصر" في تحصيل ظروف معيشية فاضلة، وحياة إنسانية هادئة مستقرة "بشفافية" في إرادتها الفعلية الساعية نحو استئصال بذور الشقاق والتصدع الاجتماعي. ومعالجة مختلف صور ومظاهر الانحراف والصراع الثقافي. انطلاقًا من ضرورة إدراك جوهر هذه العلاقة، وتحصيل فهم معمق لطبيعة الشخصية الإنسانية في إطارها الاجتماعي. ولأن يتأتى ذلك لا منأى أبدًا من ضرورة الخوض في غمار هذه العلاقة، بوصفها ظاهرة اجتماعية محورية أقرها العلماء والخبراء من مختلف الاتجاهات والتخصصات وعبر كل المراحل التاريخية المصاحبة لعموم البشرية.

لهذا أحرز موضوع الصراع الثقافي والتناقض الاجتماعي؛ على قسط وافر من اهتمام الرعيل الأول من الفلاسفة والعلماء وبخاصة المشتغلين بعلم الاجتماع؛ حيث كان موضع اهتمام كل من الاتجاهين الرئيسيين فيه وهما الكلاسيكي والمحدث بشقيه المحافظ والراديكالي؛ فبالنسبة للأنصار الاتجاه الأول: نجد أن تصورهم السوسيولوجي العام للمجتمع ينهض على مسلمة أساسية هي النظام المرتكز على مفهوم توازن القوى فيه، وبذلك فهُم يؤكدون أن المجتمع كل متكامل متناغم متناسق وأن القضية الأساسية المحورية لتحليل بنية المجتمع؛ إنما هي اشتراكهم في مجموعة من القيم الأساسية وإجماعهم على المبادئ الرئيسية. بذلك؛ فقد بدت محاولات إغفال الصراع الثقافي، والتحفظ عليه والتحرج من تناوله واضحة جدًا في كل الطروحات الكلاسيكية والمعاصرة السوسيولوجية وحتى السيكولوجية.

بينما وقف أصحاب الاتجاه الآخر "النقيض" موقفًا حاسمًا من هذه القضية؛ إذ أن مسألة النظام في اعتقادهم ما هي إلا محاولة جادة لتزييف الواقع الاجتماعي وتشويه الحقائق، وبالتالي فهو واجهة صورية؛ تخفي ورائها أشكالاً مختلفة للاستغلال والاحتكار والسيطرة، لتحقيق المصلحة الذاتية التي يُقرها المذهب المادي البارغماتي، وتبررها الأنانية الإنسانية.

فالظاهرة المحورية إذن؛ هي التعارض والصراع الموصول بـ "المصلحة والقوة والهيبة والثروة والسيادة" إذ ترجع أصول مدرسة الصراع الثقافي في علم الاجتماع المعاصر، إلى الإسهامات التي قدمها ماركس في تحليله لبناء المجتمع، ثم انطلقت الاتجاهات النظرية والبحثية المعاصرة من هذه الأصول فحاولت تعديلها، وتنقيحها وتطويرها والإضافة إليها، واشتركت جميعها حول فكرة محورية رئيسية هي "الإقرار بأن الصراع الثقافي حقيقة اجتماعية مؤكدة".

وهنا نجد أن العلاقة بين الصراع الثقافي والتناقض الاجتماعي ينتج عنها عوامل فاعلة في عملية التغير، إلا إننا نجد للصراع أوجه متعددة "سياسية، وطبقية، ودينية، وعرقية" وهو في المحصلة عملية اجتماعية توجد بأوجه مختلفة في الحياة الاجتماعية، وبالتالي فإن المتناقضات الثقافية تُنتج متناقضات اجتماعية داخل المجتمع الواحد، والتي بدورها تفرز الصراع الثقافي فيكون مجتمعًا متناقضًا.

ولأجل إزالة هذه التناقضات عادةً ما تؤدي إلى تغيرات اجتماعية فيه، أي يتم حسم الصراع الثقافي بإنهاء جانب من العناصر الثقافية لحساب عنصر آخر، ويكون ذلك إما باستبدال عناصر جديدة أو بتنمية العنصر الغالب في الثقافة، وفي كلتا الحالتين يؤدي الأمر إلى التغير في النهاية.

ومن وجهة نظر أخرى؛ أن الصراع الثقافي السليم يمنع تحجر النظام الاجتماعي، وذلك بإيجاد ضغط من أجل الابتكار والإبداع؛ فلا بُد للنظام الاجتماعي من صراع ثقافي سليم لكي يجدد على الأقل طاقاته ويُعيد الحياة إلى قواه المبدعة.

كما أن للصراعات الثقافية أنواع عدة، ومنها صراعات ذات منشأ خارجي وتكون مفروضة على المجتمع كالحروب مثلاً، وصراعات ذات منشأ داخلي كالصراع بين الأحزاب السياسية أو الطبقات الاجتماعية، وتتم داخل المجتمع الواحد، وعادةً ما يكون لكل منها نماذج خاصة في التحليل السوسيولوجي. وكل هذه الصراعات عادةً ما تؤدي إلى تغير المجتمع، ولكن ليس لكل الصراعات الأهمية نفسها في إحداث التغير، فما إن ينتهي صراع بزوال العلة المسببة له، حتى تنشأ تناقضات اجتماعية جديدة تؤدي إلى التوتر ومنها إلى الصراع الثقافي، وهكذا.

ختامًا .. نخلص إلى أن هذه العلاقة مستمرة في ارتباط وثيق فيما بين المصطلحين "الصراع الثقافي – التناقض الاجتماعي"، بيد أنهما يؤثر أحدهما في الآخر، ومع أن الصراع الثقافي ظاهرة حتمية تمليها عدة عوامل اقتضتها خصائص فطرية مرتكزة في شخصية الفرد؛ فـ تتعداه إلى شخصية المجتمع، إلا إننا لا نستطيع أن نُعيد كل التغيرات الاجتماعية إلى حالة الصراع، بيد أن المجتمعات اليوم تضع التغير وفق لإرادة جماعية ديمقراطية مخططة، كذلك الأمر بالنسبة لضرورة أن تؤدي التناقضات إلى صراع؛ فتغير جذري إيجابي، هذا من واقع أن التناقض موجود في ثقافة المجتمعات، لكن من الممكن التخفيف من حدته بالإصلاحات المستمرة بغرض التحكم في عواقبه.

11 التناقض ، الثقافة ، العادات والتقاليد

---