11 مقالات

نسائم رمضان / مقالات

5/9/2021

د.فاطمة محمد عيسى

يقبل علينا هذا الشهر الفضيل في كل عام، هذا الضيف الذي يطول انتظاره، شـهـر رمضـان شـهر الـتوبة ... شـهــر تسكب فيه العـبرات .. وتتضاعف فيه الحسنات .. وتزداد فيه الطاعات .. وتسطع فيه أنوار الهداية، هو شهر نتلمس فيه هذه النسائم العطرة:

شهر نسائم الشكر:

اجعل من هذا الشهر وقفة لك مع النفس راجع فيه حساباتك..

أعد فيه ترتيب أمورك، وتأمل فيه جميع خطواتك .. تأمل فيه عظيم فضل الله أن منّ عليك بالعمر المديد لتصوم هذا الشهر، وتضيف به إلى رصيد أعمالك ما يثقل الميزان يوم الحســـاب، فلا تضيع الفرصة، واشكر نعم الله عليك بالطاعـات ليزيدك من فضله ومنّه، فكم من محروم حرم نفسه لذه الطاعات في رمضان فحرمه الله لذه مناجاته، وكم من معاند عاند نفسه، وجحد فضل الله عليه فكان من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم .

هو شهر نسائم التوبة :

إنه شهر التوبة والغفران والعفو والعتق من النيران فلتكن لك فيه وقفة للتوبة والإنابة، فأبواب رحمة الله تعالى واسعة لكل أصناف العـباد، فالتوبة أمرها ميسور تبدأ بالامتناع والندم والعزم على عدم الـعودة للذنب .

قال ابن قيم الجـوزية - رحـمه الله - في مـدارج الـسالكين: (شرائط التوبة ثلاثة: الندم و الإقلاع والاعتذار، فإن المؤمن لا تتم له لذه أو فرح بمعصية .. وإنما الغفلة وسكر الشهوة قد يحجبه عن الشعور بعظم الذنب ).

فلا تستسلم  للغفلة ولا تستصعب الأمر فإن الأجواء الإيمانية العامرة بالذكر في رمضان، والأعمال الصالحة الميسرة، والشياطين المقيدة كل ذلك سيساعدك على التوبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين " متفق عليه.

فافتح أبواب قلبك ليشرق فيه نور الهدية ويبدد ظلمة المعصية، واحرص على حضورك المحاضرات ومجالس العلم وصحبة الصالحات، ليكن لك خير معين .

هو شهر نسائم القرآن:

إنه شهر الغفران .. شهر الفرقان شهر نسائم القرآن، فاجعل لك فيه النصيب الأكبر لقراءة القرآن، وتقرب به إلى الله تعالى أناء الليل وأطراف النهار، احرص على أن تجعل لنفسك ورداً يوميا من الأذكار، وقراءة القرآن، وأوقد شموع الهمة، وتنافس على فضل القرآن لتسعد به نفسك وترفع به درجتك عند الله تعالى؛ كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول ألم حرف وإنما أقول ألف حرف ولام حرف وميم حرف » رواه الترمذي.

هو شهر نسائم الطاعات:

شهر رمضان شهـر تتضاعف فيـه الحسنات وتزداد فـيه الطاعات، فـاجتهد فـي طـاعاتك ... احفظ جوارحك وأمســـك لسانك عن الغيبة، والنميمة، والشجار، السخرية، نظف قلبك من الحقد والحسد والرياء، فإنها والله تنقص الأجر، وغض بصــرك عـن مشاهدة المحرمات، والســهر أمام الشاشات والفضائيات الهابطة ووسائل التواصل الاجتماعي، ومـناظر الخـزي والعري والـتفاهات، فقدرك أرفع وأرفع من ذلك بكثير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصوم جنة فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب؛ فإن سابه أحد أو قتله؛ فليقل إني امرؤ صائم » متفق عليه.

فإن أصبحت صائماً؛ فليصم معك سمعك وبصرك ولسانك، وجميع جوارحـــــك لتشهد لك بالطاعة يوم القيامة .. يوم يختم الله على الأفواه وتتحدث الجوارح شاهدة أمام الله تعالى على أعمالك.

وإن تيسر لك أمر العمرة في رمضان فلا تتردد ... ففضــــل العمرة عظيم، وفــضلها في رمضان مضاعف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سنان الأنصارية رضي الله عنها: " إذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمـرة فيها تعـــدل حجة » أو قـــال :حجة معي » رواه البخاري.

وإذا أرادت المرأة الذهاب لــلمسجد لـصلاة الـتراويح جـماعة فلتخرج عــلى هيئة نساء السلف الصالح متبذلات، متلفعات بالأكسية، لا يـعرفن من الـغلس، لا كما نرى من بعض النساء هــداهن الله اللواتي يخــرجن مـتعطرات متزينات متبـخرات بالعــــــود والبخور، لقوله صلى الله عليه وسلم « أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء » رواه مسلم، ولو أن صلاة المرأة في بيتها أفضل لقول النبي: صلى الله عليه وسلم: « لا تمنعوا نساءكم المساجد؛ وبيوتهن خير لهن » رواه أحمد وأبو داوود.

هو شهر نسائم العشر:

اجتهد رحمك الله في زيادة العمل الصالح في العشر الأواخر ،من رمضان؛ فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها-قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، شد مأزره وأحيا ليله وأيقظ أهله  "

وبما أن أغلب النساء يتنافسن في هذه العشر الأواخر في الذهاب للأسواق والتبضع بالمشتريات والحاجيات للعيد .. فكوني أنت متميزة .. باستغلال هذه ا لأيام في الطاعة والذكر والإنابة والهداية .. فأكثري في هذه العشر من قراءة القرآن والاستغفار، وإفطار الصائم والصدقة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة "، رواه مسلم.

واحرصوا على حسن الصيام والقيام لتنالوا الكسب العظيم كما بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: « من قام رمــضان إيماناً واحتساباً غفر لـه ما تقدم من ذنبه  »  متفق عليه.

هو شهر نسائم ليلة القدر:

نسائم روحانية .. ربانيه أخرى تهب على قلبك في هذا الشهر الفضيل هي من  أعظم نسائم هذا الشهر ... إنهـــــا نسائم  ليلة القدر .. قال تعالى: " ليلة القدر خير من ألف شهر".

فاغتنموا فضائلها لتهب على قلوبكم نســـائم الرحمة والمغفرة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحراها في العشر الأواخر، ولتكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان » وقالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال:  قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا ، رواه الترمذي.

نسائم الختام: 

ختاماً إنها فرصتك الثمينة فاغتنمها واعمل لآخرتك ولا يغرك طول الأمل، واعمل لما بعد المـوت .. قال رسول الله صـلى الله عـليه و سلم: «إنما الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني «  رواه مسلم

فإن ما في الدنيا من متاع لن ينفعك منه إلا العمل الصالح؛ فأكثر مــنه فإنك تموت وحدك وتبعث وحـدك وتحـاسب وحدك، ولا تنس أن تجعلي نيتك في كل عمل خالصة لوجه الله تعالى لتكون عنوان القبول بإذن الله ويزيدك الله من فضله ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر، وتذكر حماك الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يبسط يده بالليل ليـتوب مسيئ الـنهار ويبسـط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليـل، حـتى تطلع الشمس من مغربها)، رواه مسلم.

ثم سيرحل .. هذا الضيف عنا سيرحل ، فأناجيه بأجمل ما قرأت:

أيها الضيف تمهل ....كيف ترحل ؟؟ والحنايا مثقلات والمطايا تترجل.

كيف ترحل ؟؟  هل عتقنا ؟؟ أم بقينا في المعاصي نتكبل؟

أيها الشهر تمهل ..خذ فؤادي حيث سرت فحنيني يتنفل ...أي فوز غير فوزك  والأماني حين نُقبل .

وأخيرا لكم دعوة خالصة من قلب محب لكم في الله: بأن يرعاكم الله ويحميكم ويغفـر لنا ولكم ويرزقنا وإياكم الهـدى والتقى والعفاف والغنى ويثبتنا الله وإياكم على ما يحب ويرضى.

وصل اللهم وسلم على أشرف الخلق نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

11 رمضان ، العطاء ، التوبة ،