11 تأملات إعلامية
التجمع الاعلامي لأجل المعرفة / تأملات إعلامية
5/9/2021
د. طه احمد الزيدي
مما هو معلوم من الدين بالضرورة أنّ الله تعالى خلق الخلق لأجل عبادته، وأكرم بني آدم أن قلدهم وظيفة الاستخلاف في الارض لإعمارها، ولا يتحقق ذلك الا بالعلم والمعرفة المنضبطة، ولأنّ هذه الوظيفة تقتضي عملا جماعيا مشتركا، فقد شرع الله تعالى التجمع لأجل القيام بمقتضيات هذه الوظيفة وما تستلزمه من الإعلام والتواصل لأجل التبليغ المعرفي والمناظرة والتوجيه.
فأما مشروعية التجمع الإعلامي لأجل المناظرة والمحاجة، للوصول الى الحقائق، فقد قال الله تعالى : (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) (سورة طه).
ومن دلالات هذه الآيات فيما يتعلق بالتجمع الإعلامي لأجل التبليغ المعرفي وإظهار الحقائق العلمية ما يأتي:
-توظيف البيئة الإعلامية للتجمع التي يتم فيها تحشيد الجمهور الواسع (مختص وغير مختص) ما دامت ثمرة المعرفة تتعلق به وأثر الحقيقة مرتبط بتوجهاتهم.
-اختيار الزمن المناسب للتجمع، ومنه يوم العطل إذ يتفرغ كثير من المعنيين بالتجمع لحضوره، والمعبر عنه بيوم الزينة وهو يوم عيدهم وتفرغهم من أعمالهم؛ ليجتمع فيه أكثر الناس، فتتحقق اكبر مساحة للمشاهدة والمتابعة المباشرة.
- تحري الوقت المناسب لبدء التجمع، واعلانه، ويطلق عليه إعلاميا (وقت الذروة) الذي يقبل فيه أكثر المعنيين لمتابعة مجريات التجمع ونتائجه ، (وعبر عنه هنا بوقت الضحى)، وإِنما علَّقه بالضحى، ليتكامل مقصد علنية التجمع، فيكون أبلغ في الحجّة وأبعد من الرّيبة، واختاره موسى عليه السلام اشارة ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح، وهكذا شأن الأنبياء، كل أمرهم واضح، بيّن، ليس فيه خفاء ولا ريبة.
- احترام موعد التجمع ولاسيما بعد تحديده وهو ما يطلق عليه الالتزام الاخلاقي بين القائمين على التجمع والجمهور المعني، والالتزام بهذه المواعيد يدل على رصانة الجهة المنظمة ومهنيتها الاعلامية، (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ) أي: اضرب بيننا وبينكَ أجَلاً وميقاتاً لا نجاوزه نَحْنُ وَلا أَنْتَ، ولا يقع مِنَّا خلاف في حضوره، احتراما لوقت الجمهور الذي يستعد لحضور هذا التجمع المهم.
- مقصدية التوصل الى الحقيقة من هذا التجمع والخروج بنتائج علمية وعملية مثمرة، وهذا يقتضي الحرص على جمع الخبراء ودعوة المتخصصين ولاسيما المتقدمون في اختصاصهم، وتحري رصانة الكلمات التي ستلقى فيه، وأصالتها ومنهجيتها وارتباطها بموضوع التجمع، فهذا يدل على احترام عقول المشاركين والمتابعين، وقبل ذلك صون المعرفة من مشاغبات ادعيائها: والعاِلم الحق والاعلامي المهني والخبير المنصف هو من يستجيب للحقيقة وإن خرجت من لسان خصمه أو على يديه، قال تعالى: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) ( الاعراف).
والتجمع الاعلامي لأجل المعرفة حتى يؤدي غرضه ويحقق اهدافه، يحتاج الى منظومة من العلاقات العامة وشبكة تواصل وحسن تخطيط وادارة ومتابعة للتحشيد له، وهذه المعاني تستدعي قيامها على خطوات عملية إجرائية، يأتي في مقدمتها العملية الاعلامية، ويقصد بها عملية تزويد الجمهور المعني بأخبار التجمع ومتعلقاته منذ الاعلان عنه وحتى بعد إلقاء بيانه الختامي، عن طريق وسائل الاتصال والتواصل المتاحة، ولا يتحقق ذلك إلا بتوجيه الخطاب المباشر من قبل القائمين على التجمع إلى الجمهور العام والمتخصص (يا أيها الناس- يا أيها الذين آمنوا) ، مع إعطاء مزيد عناية بمخاطبة الجمهور المتخصص الذي لا يمكن عقد التجمع الا بحضوره أو مشاركة عينة منه، وقد ترسل وفود وشخصيات لدعوة المعنين للمشاركة بالتجمع ، قال الله تعالى: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)(سورة الاعراف) فاستجاب منظم التجمع ورئيسه بشرط أن يكون متخصصا ومتقدما في مجاله حائزا على أعلى الألقاب العلمية والمناصب المهنية، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) (يونس: 79)، وقد يبذل لهؤلاء مال أو مكافئة معنوية نتيجة لمشاركتهم وفاعليتهم وحرصا على نجاح التجمع وتحقيق أهدافه: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) (الاعراف).
وأخيراً، نؤكد على ضرورة توظيف التقدم التقني في تنظيم التجمعات الإعلامية للفعاليات العلمية في عصرنا، من خلال عقد الجلسات الحوارية والحلقات النقاشية عبر التواصل الالكتروني، ليتحقق مبدأ إعلام بلا حدود ومعرفة عبر الآفاق، ونختزل بذلك الجهد والوقت والتكلفة، مع تحقق أغلب مقاصد إقامتها وبجمهور أوسع، فهذه لغة العصر ووسيلة تواصله الفعال ونحن موجهون بتوظيفها لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (سورة ابراهيم: 4)، فالآية ترشد إلى مسألة تطور التواصل سواء في المحتوى والأساليب أو القوالب، فلكل عصر أدواته وأساليبه ولغته، وانسجاما مع سنة الله تعالى في تطور المجتمعات وحركة التغيير والتجديد فيها فإن هذه الأدوات والأساليب تخضع بلا شك لسنة التطور، ويذهب بعض علماء الاتصال إلى أن تطور المجتمعات ومرورها بعصور مختلفة يصنف بناء على نوع وسائل الاتصال في ذلك العصر.
11 الاعلام ، المعرفة ، العمل الجماعي
مواضيع ذات صلة