العدد الثاني تأملات إعلامية

تأملات إعلامية .. استطلاع الرأي وقياسه / تأملات إعلامية

11/3/2020

د. طه احمد الزيدي

إنّ معرفة موقف الجمهور تكون باستطلاع آرائهم، والوقوف عليها، وقياس اتجاهاتهم، بهدف تغييرها، وتوعيتهم وإرشادهم إلى كل ما هو حسن ونافع، ولننظر كيف تعامل النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه قول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء:٢١٤)، في الصحيحين لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ»، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وفي رواية: فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، بَيْنَ رَجُلٍ يَجِيءُ إِلَيْهِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولَهُ»، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ، وإليكم الدلالات الإعلامية في هذا الهدي النبوي: 

-النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بالإعلام والعلاقات العامة، ارتقى جبل الصفا، ليمثل منبرا إعلاميا وبرج اتصالات مؤثر، لأنه مرتبط بشعائر الله في البيت الحرام الذي تعظمه قريش والعرب مؤمنهم ومشركهم، فله رمزية وتأثير في النفوس.

-واستعمل نداء إعلاميا مألوفا لقريش (يا صباحاه)، وقد اشتهر هذا اللفظ في الاستغاثة لاعتيادهم الإغارة في الصباح، مما كان ادعى لاجتماعهم لأمر غير مألوف ولا مسبوق، وهذا من الأساليب الإبداعية في الإعلام والعلاقات العامة، أن تستعمل أسلوبا مألوفا لأمر جديد غير مألوف، أو أسلوبا مبتكرا غير مألوف لعرض أمر مألوف.

-كما نادى كلّ حيّ من قريش باسمهم تأكيدا للاهتمام بهم وإنزالهم منازلهم وحثا لهم للحضور والاستماع، وفعلا اجتمعت قريش عنده كلهم، حتى الذين لم يتمكنوا من الحضور أرسلوا من يمثلهم. -وقام النبي صلى الله عليه وسلم بقياس الرأي العام منه قبل عرض المضمون ومحتوى الرسالة، لإلزامهم برأيهم عند عرضه القضية التي جمعهم من أجلها، فسألهم أنه لو أخبرهم أن عدوا وراء الوادي يريد الاغارة عليهم، هل يصدقونه، (قالوا نعم، ما جربنا عليك الا صدقا)، وبهذا الصنيع استفتى النبي الرأي العام، وقام بقياسه وتحليل اتجاهاته السائدة، ، ليعلم درجة تصديق الجمهور المستهدف له، وحينما استوثق من اتجاه الرأي العام على تصديقه فيما مضى، دعاهم الى رسالة الإسلام، بصيغة متجاوبة متناسقة مع المثل الذي ساقه لاختبار تصديقهم له: فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، وذلك إن هم بقوا على شركهم، فهو أشد من الخيل التي تريد أن تغير عليكم.

-وحينما اعرض عمه أبو لهب وسبه، تركه النبي عليه الصلاة والسلام ولم يصادر حريته في التعبير، مع اساءته وجهره بالسوء، حتى نزل فيه قول الله تعالى منتصرا لرسوله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد:1)، فالإساءة الموجهة للقائم بالإعلام والعلاقات العامة فمن الأولى والأجدر أن يتولى المصدر سبحانه معالجتها لتبقى العملية في إطار الرسالة ومحتواها ولا تأخذ بعدا شخصيا، وهذا كثير في القرآن الكريم.

العدد الثاني استطلاع الرأي ، الجمهور ، الإعلام ، العلاقات العامة ، حرية التعبير ،

مواضيع ذات صلة