العدد الثاني مقالات
كيف نتعامل مع الوباء والمرض؟ / مقالات
11/3/2020
د.محمد جمعة
الأوبئة والأمراض بلاء من الله واختبار ، وقد تكون عقابًا للمفسدين المجرمين أو تذكيرًا للغافلين ؛ وصدق الله إذ يقول: (أفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ)؛ وفى حالة الأمراض والأوبئة العامَّة يجب التعاون داخل الدولة الواحدة أو بين الدول المختلفة في دفع الضرر وودرء الخطر عن الأنفس عملًا بقول الله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195)؛ وكل ما هو وسيلة إلى ذلك الدَّرء يُعَدُّ واجبًا؛ لأنَّ حفظ النفس من المقاصد الخمس للشريعة الإسلاميَّة، وقد قدَّمه بعض أكابر العلماء- مع شيء من التفصيل الفقهيّ- على حرمة الدِّين.فالمستشفيات تقوم بالعلاج وتوفير الدواء. ووسائل الإعلام المختلفة مرئيَّةً ومسموعةً ومقروءةً تقوم بالتوعية والإرشاد دون كذب أو تضليل ودون تهوين أو تهويل؛ لتجنُّب الوقوع في الأمراض. والوزارات تتخذ الإجراءات القانونيَّة المناسبة لمنع العَدْوى بين الدول. ولا يخفى الدور المنوط بمؤسسات التربية والتعليم ودُور العبادة في بيان الضوابط العلميَّة والشرعيَّة تجاه المرض.
ويجب على كل فرد الأخذ بالأسباب ودفع الضرر عن نفسه بالتداوي والعلاج، واتباع ما يشير به الأطباء والمسئولون؛ لأن الإسلام أمر بالتداوي؛ فما من داء إلا وجعل الله له دواء إلا الهَرَم.
وتجوز عند الوباء الصلاةُ في المسجد ويجب التحلِّي بالنظافة في المأكل والمشرب والملبس، وهي النظافة التي يستمدُّها المسلم من عقيدته وإيمانه، بل يجب على المسلم دفع الضرر عن أخيه المسلم بترك المصافحة بالأيدي عند اللقاء، وعقب التسليم من الصلاة؛ فقد تكون اليد ملوَّثة نتيجة قضاء الحاجة أو تبادُل النقود لا سيما العُمْلات الورقيَّة؛ فينتشر الوباء بواسطتها. ومن الأوْلى تركُ التقبيل في الأكتاف أو غيرها من أعضاء الجِسم.
ومن الواجب، أيضًا، تجنُّب الشائعات والأكاذيب التي ينشرها بعض الأفراد أو المؤسسات حول المرض، والتبليغ فورًا عن المصابين بالمرض، أو المشكوك في إصابتهم به؛ فإن التستُّر على المصابين بالأمراض المعدية يُعَدُّ نوعًا من قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ويُشبه التستُّر على المجرمين المفسدين، ويشبه، كذلك، من يحتكرون السلع والأدوية عن غيرهم! والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلِمُه إلى مرض أو ضَرَر.
مع التخلِّي عن سنة إكمال الصفوف والفُرَج بين المصلين؛ إذ يجب أن تكون بين المصلين مسافات كافية لتجنُّب العَدْوى. ولا مانع - مع الإيمان بأنه لا عَدْوى ولا طِيَرة، وأن قضاء الله كله خير- من صلاة الذكور في منازلهم عند انتشار المرض وتفشِّي العَدْوى، بل يسمح الشرع الإسلاميّ الحنيف بتخفيف خطبة الجمعة أو تعطيل صلاة الجمعة نفسها احترازًا من خطورة التجمُّعات؛ لأن الإنسان قبل البنيان والساجد قبل المساجد. ومن مكارم الشريعة الإسلاميَّة جواز تعطيل بعض الفرائض مثل فريضة الحج الذي يُعَدُّ أكبر تجمُّع إسلاميّ من كل فج عميق، ومن الأوْلى تأجيل مواعيد الدراسة بتعطيل دُور التعليم مثل المدارس والجامعات، والاقتصار- مع الضوابط والمحاذير- على دُور الإنتاج مثل المزارع والمصانع والمتاجر.
والعاقل من يتخذ المرض بابًا للاستغفار والتوبة والتقرُّب إلى الله ودعائه- مع الأخذ بأسباب الوقاية والعلاج- بأن يرفع البلاء والوباء، بل يمكن للأمراض والأوبئة، أن تكون حافزًا للإبداع، وعلوّ الهمَّة مخافة الموت المفاجئ.
العدد الثاني الوباء ، المرض ، الشريعة الإسلامية ، العلاج ، المصلين ،مواضيع ذات صلة