العدد الثالث مدونات

لو كانت لمؤرخينا الأوائل.. مدونة عالم ؟! / مدونات

11/4/2020

د. عامر ممدوح

كثيرة هي التساؤلات التي دارت وما زالت في مخيلة دارسي التاريخ وأذهانهم، الذين لم يجدوا لها جواباً شافياً، بل وجدوا أنفسهم في أحيان كثيرة قبالة طريق مسدود بجدار كبير عمل فيه الزمن تأثيره، فبات من الصعب اجتيازه.

جزءٌ كبير من هذه التساؤلات مرتبط بجهد مؤرخينا الأوائل الذين وثقّوا لنا أحداث الماضي، وقدموا لنا تصوراتهم عنه، ومواقفهم منه، في منجزٍ عظيم قل مثيله، ولكن مع ذلك، بقيت الكثير من الأسئلة الخاصة لمن يتناول تراثهم دون إجابة، ومنها ما يتعلق بالشخصية، والمنهج، والانتماءات والتوجهات الفكرية، والأهم ماهية الأسباب التي دفعتهم لاتخاذ المواقف على مستوى الفكر والممارسة والسلوك.

من منّا لم يخالجه التساؤل العميق عن مقولة المؤرخ الكبير محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ): (فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم انه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا)؟! فهل كان سكوته في بعض المواضع، فعلاً، التزاماً بتلك القاعدة أم أنه تعمد ذلك لغايات لا يعلمها أحد إلا هو؟!

ومن منّا لم يجد الرغبة في التواصل مع شيخ المؤرخين الأندلسيين ابن حيان القرطبي (ت 469 هـ) وسؤاله عن موقفه من الحاجب المنصور بن أبي عامر وتقييمه له، وسبب إهداء كتابه الثمين (المتين) إلى أحد زعماء الطوائف، في سلوك يظهر فيه ربما التناقض بين القول والفعل، لأول وهلة، ولا نملك نحن اليوم تعليلاً شافياً ونهائياً له؟!

او سؤال العلامة ابن خلدون (ت808هـ) رحمه الله: لمَ جاء تاريخك محشواً بالمعلومات والأحداث دون تطبيق لنظرياتك التاريخية الفذة؟ أو: من هم العرب الذين إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب؟! أو: من اين استقيت كل تلك الأفكار؟ وما صحة القول بأنها ليست من بنات أفكارك وإنما هي مزيج من الاقتباس؟!

ومن منّا لم يجد الدافع المشوب بالعاطفة الكبرى لاستضافة ابن الأثير(ت630هـ)، أو الذهبي(ت 748هـ)، أو المقريزي (ت845هـ) عبر برنامجZoom ، وتوجيه السؤال لهم عن حياتهم، ومنهجهم، وعن هذه الحادثة أو تلك..؟!

والأمثلة كثيرة جداً .

اسأل نفسي كل حين: ماذا لو كانت لمؤرخينا الأوائل وقتها مدونة (عالم) كيف سيكون حال التدوين التاريخي؟

كم من الصعوبات سوف تذلل أمام طالب الدراسات التاريخية؟

كم من الخفايا وجوانب الغموض سوف تتكشف لنا، وهي اليوم غدت أشبه باللغز الكبير والمحير.. ولا سيما مع ضياع أغلب المؤلفات وفقدانها؟.

بل ـ وهو الأهم ـ كم من الأفكار سيعاد صياغتها، عبر إثراء النقاش والحوار بخصوصها ..

يطرح المؤرخ ــ مثلاً ــ فكرته وهي ما زالت بكراً، فيتم التعديل عليها، أو الاضافة، ترشيداً وتهذيباً..

فهل سأل تلامذة مؤرخينا ما نسأل اليوم، وهل أجابوهم عليها؟! لا نعلم كثيراً عن هذا، فالتاريخ حديث عن (الماضي) الذي كان.. وليس بالإمكان أفضل مما كان ..ولا مفر من اللجوء إلى التأويل والمقارنات والمقاربات لحل تلك الإشكاليات.

لكن الحاضر اليوم بأيدينا، والفرصة متاحة لكي نجعل الكتابة التاريخية أكثر رصانة في البناء، والدقة في التعبير، والعمق في المحتوى، فإن حرم منها أجدادنا الكبار وتلامذتهم، فلا أقل من استثمارها اليوم وهي بين أيدينا بكل سهولة ويسر ..

لذا لا بد من الركون إلى تلك الوسائل المحفزة للبحث والدرس والنقاش، ومن ذلك جعل (مدونة عالم) ضمن منصة أريد، كونها إحدى هذه السبل المتميزة، فرصة للمزيد من الحوار وابداء الرأي، وساحة لالتقاء الأفكار، وممارسة ثقافة النقد العلمي البنّاء، ومحاولة الإجابة عن كل سؤال.. ولو تحقق ذلك كما نرجو، سنجد ان نتاجه سيكون المزيد من الرصانة المطلوبة للكتابة التاريخية.

ويا ليت كانت لمؤرخينا الأوائل مثل هذه الفرصة.. حينها كنا سنجد أغلب مدوناتهم مضيئة من أولها حتى آخرها .. دون جوانب معتمة.. او علامات استفهام.

العدد الثالث مدونة ، منصة اريد ، الطبري ، القرطبي ، ابن خلدون ،

مواضيع ذات صلة