العدد الرابع مقالات
أولى خطوات التربية الايجابية / مقالات
11/10/2020
د. محمد توفيق عبدالرحيم
يا جيل الطيبين ... ملأتم الأرض ضجيجا ... حكاياتكم لا تنتهي ... يبدو أنكم لم تعيشوا على الأرض ! ! سمعت أنكم من سكان القمر .!!. أو ربما من أهل كوكب اكس الذي لا نعرف أهو حقيقة أم خيال ؟ ... أو أنكم ولدتم وتربيتم في مدينة أفلاطون الفاضلة .. تلك التي كانت من نسيج الخيال وظلت وستظل في الخيال أبد الدهر ... عندما يجلس أحدكم مع ابنه تتفتح شهيته للكلام الذي لا ينتهي ، ويبدأ في سرد الماضي الجميل وما أن يبدأ ب ( لقد كنا ) الا وتفتح الذاكرة أبوابها على مصراعيها ..قصص وحكايات وروايات لا تنتهي من كتاب ألف قصة وقصة ، والويل كل الويل لو تحدث أحدالأبناء أو ناقش أو أبدى رأيا في تلك القصص والروايات فتُكال له اتهامات لا تحصى ولا تعد .. يا جيل الطيبين .. نعلم أنكم كذلك .. طيبون جدا .. وأنَا أحدكم بالطبع ..ولكن نحن لم نختر أن نعيش في هذا الجيل كما أن أولادكم لم يختاروا العيش في هذا الزمان ..وأبشروا فكل جيل هو من الطيبين .. عندما جلستم مع آبائكم كنتم تشعرون بالغربة كما يشعر بها أبناؤكم الآن ..
ولدتم في زمن الطيبين ولكنكم تعيشون الآن في جيل الفضاء الشاسع ، ووسائل الاتصال التي أصبحت متاحة للجميع ، ناهيك عن أطنان البرامج الرقمية التي تتيح ذلك بكل سهولة ... يا جيل الطيبين عيشوا مع أبنائكم لحظة بلحظة واستمتعوا بالحاضر فالماضي عشناه بحُلوه ومُره .. شاركوا أولادكم حياتهم ولا تشعروهم بالغربة فهم في أمسِّ الحاجة إليكم .. ثقِّفوا أنفسكم واخترقوا عالمهم حتى لا تتركوهم غنيمة لمن يتربص بهم .. ربوا أبناءكم واعلموا أنهم خلقوا لزمان غير زمانكم .لا تستهينوا بما يدور حولهم، فهم محاطون بكل الوسائل، التي تفتح عليهم العالم، وتجعل أقصى بقاع الأرض على بعد ملليمترات .. ثقافات مختلفة وأفكار لا حصر لها تحمل الخير والشر بكل تفاصيله .... لا بد أن تقتحموا ذلك العالم حتى تدركوا خطورة ما يتعرض إليه ابناؤكم، ولا مجال للأعذار؛ فأبناؤنا أغلى ما نملك، وتربيتهم تحتاج منا إلى الوعي، والبصيرة، والاطلاع، والسعي إلى التعلم المستمر .. لم تعد الأساليب التقليدية تحقق ذلك التأثير الذي نرجوه، فلا بد أن نبتكر ونتطور؛ لنواكب ذلك العالم المتسارع، أبناؤنا يسبقوننا بخطوات كثيرة ونحن ما زلنا غافلين، متكاسلين، لا نريد أن نلاحقهم .
إن أولى خطوات التربية الإيجابية هي أن تكونوا قدوة لأبنائكم؛ فكثيرا ما نسمع ونرى المتحدثين، وعلماء التربية يتكلمون عن كيفية تربية الأبناء .. فيعرضون النظريات والأفكار ... وما أحلى الكلام، وما أسهل الاستماع ... ولقد أصبح، في الوقت الحاضر، سهلاً تأليف الكتب، ووضع النظريات، والمناهج التربوية، ولكن تظل حبراً على ورق ما لم تخرج إلى النور ويتم ترجمتها إلى واقع ملموس نشعر به جميعا. لذا، فمن الواجب علينا بوصفنا مربين أن نجسد تلك الأفكار والنظريات، وأن ننقلها إلى واقع ملموس في سلوكنا نحن أولاً حتى يراها أبناؤنا ويشعرون بها وبقيمتها .
إن أهم وسيلة للتربية هي أن نكون قدوة لمن نربي، نضرب لهم الأمثلة، ونطبقها على أنفسنا أولاً، فعندما يراك من تربيه ذا خلق كريم، وتتعامل مع الناس بكل أدب واحترام، سيكتسب ذلك منك تلقائيا، وعندما يراك متمسكا بالقيم والمبادئ والأخلاق الكريمة سيقلدك بلا شك. انتبهوا أيها المربون، فأولادنا يفهمون، ويحللون، ويقدرون، ويقيمون، ويقلدون، فلا يرون منكم إلا كل جميل، حتى يكون ذلك الجميل هو الأساس في حياتهم فينشؤون ويتربون عليه، ويحملونه؛ ليغرسوه، بدورهم في أبنائهم، وتتوالى الأجيال التي تحمل السلوك القويم .
إن تلك القدوة لن تتحقق وتؤتي ثمارها مع جيل الأفق والفضاء الواسع إلا إذا كنا قادرين على اختراق ذلك العالم، وكنا قادرين على استثمار ايجابياته، ونرشد أبناءنا إلى كيفية حماية أنفسهم، كيف نحقق ذلك ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا ؟!!
لم تعد التربية أمرا سهلاً، فلا بد أن يتحمل الآباء مسؤوليتهم، وألا يتركوا أولادهم فريسة سهلة للأفكار التي تمزق هويتهم وتذهب بعقولهم وتحولهم إلى مسخ لا قيمة له .
ياجيل الطيبين، كونوا قدوة بحلة جديدة، ومصدرا للطاقة الايجابية فما تملكونه من خبرات كبير وكبير جدا ، وإن تمكنتم من أن تمزجوها مع الحلة الجديدة التي فرضها الواقع المتطور بسرعة كبيرة ، فإن أبناؤكم سيرتدونها بكل حب ورغبة .
العدد الرابع التربية ، الثقافات ، الوعي ، التعلم المستمر ،مواضيع ذات صلة