مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


[فصل حكم توبة الكافر من المعاصي دون الكفر والعكس]

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


15/05/2023 القراءات: 378  


[فصل حكم توبة الكافر من المعاصي دون الكفر والعكس]
) ولا تصح توبة كافر من معصية قال ابن عباس في رواية الوالبي في قوله تعالى: {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} [إبراهيم: 26] لا يقبل الله عز وجل مع الشرك عملا. وقيل: تصح من غير الكفر بالقول والنية، ومنه بالإسلام، ويغفر له بالإسلام الكفر الذي تاب منه، وهل تغفر له الذنوب التي فعلها في حال الكفر ولم يتب منها في الإسلام؟ فيه قولان معروفان.
قال الشيخ تقي الدين (أحدهما) يغفر له الجميع لقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]
أي: ينتهوا عن كفرهم، ولأنه اندرج في ضمن المحرم الأكبر فسقط بسقوطه وفيه نظر؛ لأنه يندرج ويسقط مع إصراره عليه وعدم توبته منه؟ وهذا ظاهر كلام أكثر الأصحاب - رحمهم الله - ولم أجده صريحا في كلامهم، وقد سبق كلام ابن حامد في الفصل قبله وهو يدل على الغفران؛ لأنه لم يذكر الخبر إلا حجة لمن اعتبر لصحة التوبة أعمالا صالحة، وإنه يجيء على مقالة بعض أصحابنا فيدل على أن الأشهر خلافه.
(والثاني) لا نقله البغوي عن أحمد رواه الخلال وهو ظاهر ما اختاره ابن عقيل قال الشيخ تقي الدين: وهذا القول الذي تدل عليه النقول والنصوص.
وقال في موضع آخر، إنه إن تاب من جميع معاصيه غفر له، وإن أصر عليها لم يغفر له.
وإن كان ذاهلا عن الإصرار والإقلاع إما ناسيا، أو ذاكرا غير مريد للفعل ولا للترك غفر له أيضا والحديثان يأتلفان على هذا يعني حديث عمرو بن العاص
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - له يا عمرو «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله» رواه مسلم وغيره.
وحديث ابن مسعود وهو في الصحيحين «أن أناسا قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال: أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام» قال الشيخ تقي الدين: فالإسلام لتضمنه التوبة المطلقة يوجب المغفرة المطلقة إلا أن يقترن به ما ينافي هذا الاقتضاء وهو الإصرار كما أنه يوجب الإيمان المطلق ما لم يناقضه كفر متصل، فالإصرار في الذنوب كالاعتقاد في التصديق انتهى كلامه.
ولقائل أن يقول: هذه دعوى تفتقر إلى دليل والأصل عدمه بل الإسلام إنما يتضمن التوبة من نقيضه وهو الشرك، والكفر لا توبة مطلقة، حتى يوجب مغفرة مطلقة ولو تضمن توبة مطلقة فإنما يوجب مغفرة مطلقة، إذا لم يخطر بباله المحرم، أما إذا ذكره ولم يتب منه بل توقف فيه فلم يندم عليه، ولم يقلع عنه فكيف يسقط؟
يؤيد هذا أنه قال: كما أنه يوجب الإيمان المطلق. وهذا يكفي إذا لم يخطر بباله بعض أنواع الكفر فلو ذكره وتوقف فيه ولم يتب منه كان ذلك مانعا عن عمل المقتضي عمله، فلا أثر للفرق بأن المانع هنا رفع عمل المقتضي بالكلية وهناك لم يرفعه مطلقا فليس هو نظيره؛ لأن المقصود تأثير التوقف في الأمر الخاص وهذا حاصل، وهذا متوجه إن شاء الله تعالى.
وقد ظهر أن الأولى أن يقال: فالإسلام لتضمنه التوبة المطلقة يوجب المغفرة إلا أن يقترن بها ما ينافي هذا الاقتضاء وهو توقفه في بعض المحرمات عند ذكرها فلم يندم ولم يقلع، كما أن الإسلام يوجب الإيمان المطلق ما لم يناقضه توقف في بعض المكفرات عند ذكره فلم يندم ولم يقلع، ويكون هذا دليلا للقول الثاني وموافقا لقول الشيخ تقي الدين إنه الذي تدل عليه الأصول.
هذا إن ثبت أن الإسلام يتضمن توبة مطلقة والله سبحانه أعلم، ولمن قال بالغفران أن يحمل خبر ابن مسعود على النفاق فيسلم ظاهرا لا باطنا، وإذا
أسلم الكافر وكان قد فعل خيرا وإحسانا فهل يكتب له في إسلامه ما عمله في كفره؟ يتوجه أن يقال إن قلنا: يخفف عن الكافر من عذاب الآخرة بما عمله في كفره، أو ثبت خبر أبي سعيد الآتي كتب له ذلك في إسلامه وإلا احتمل وجهين.
وحكى بعض العلماء قولين في الكلام على حديث حكيم وهو ما في الصحيحين عن حكيم بن حزام أنه «سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمور كان يتحنث بها في الجاهلية وهل لي فيها من شيء؟ فقال له: أسلمت على ما أسلفت من خير» وإن لم يكتب له فالمعنى أنه سبب في حصول الخير وإسلامه.
وعن أبي سعيد مرفوعا «إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله عز وجل له كل حسنة كان أزلفها، ومحا عنه كل سيئة كان أزلفها، وكان عمله بعد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل» ذكره الدارقطني في غريب حديث مالك ورواه عنه من تسع طرق، وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإسلام كل حسنة عملها في الشرك، وذكره البخاري ولم يصل سنده وليس عنده «كتب الله كل حسنة كان أزلفها» ووصله النسائي وغيره.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله عز وجل» وقد فسر حسن الإسلام هنا بالإسلام ظاهرا، وباطنا لا يكون منافقا ولعل يؤيد من قال بمثله حديث ابن مسعود.
وقد يقول من قال بحسن الإسلام في حديث ابن مسعود أن التوبة من المحرمات
في الكفر أن يقول: حسن الإسلام هنا أخص وأيضا بأنه يعتبر لمضاعفة الحسنات ويقول: هذا أخص من الظواهر في المضاعفة لكل مسلم فهو أولى لكن لا أعرفه قيل والله أعلم قال الشيخ تقي الدين: ولا يجوز لوم التائب باتفاق الناس قال وإذا أظهر التوبة أظهر له الخير.


[فصل حكم توبة الكافر من المعاصي دون الكفر والعكس]


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع